دراسات وأبحاث

بعد اتفاق شرم الشيخ.. هل تعترف أمريكا بفلسطين؟

الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 - 12:20 م
هايدي سيد
الأمصار

في أعقاب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي قادته واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية بصدد اتخاذ الخطوة التالية نحو الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، خاصة بعد المؤشرات السياسية التي ظهرت خلال قمة شرم الشيخ للسلام التي استضافتها جمهورية مصر العربية.

وخلال حديثه مع الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته من مدينة شرم الشيخ إلى الولايات المتحدة، تجنّب ترامب الخوض بشكل مباشر في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه لم يُغلق الباب تمامًا أمام الفكرة.

وقال ترامب بنبرة واثقة: "لا أتحدث عن دولة واحدة أو دولتين، نحن نتحدث الآن عن إعادة إعمار غزة". 

وأضاف: "الكثيرون يؤيدون حل الدولة الواحدة، والبعض يفضل حل الدولتين.. سنرى". ثم تابع مبتسمًا: "لم أعلّق على ذلك بعد".

تصريحات ترامب حملت مزيجًا من الغموض والرسائل الضمنية، خاصة في ظل إشاراته إلى أن اتفاق غزة "سار بسلاسة وحقق نتائج عظيمة في الوقت المناسب"، بحسب تعبيره، في حين اعتبر مراقبون أن استخدامه لعبارة "إعادة إعمار غزة" يفتح الباب أمام دور أمريكي أكبر في إعادة بناء القطاع، وربما تمهيد الطريق لتسوية سياسية أوسع.

السيسي يؤكد على حل الدولتين

وفي المقابل، شدّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته في القمة، على أن تحقيق الاستقرار الدائم في الشرق الأوسط لن يكون ممكنًا إلا عبر تطبيق حل الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال السيسي إن هذا الحل "يجب أن يتحقق بطريقة تضمن رؤيتنا المشتركة لتجسيد التعاون بين شعوب المنطقة، بما يعزز السلام الدائم والتقدم المشترك".
وأضاف الرئيس المصري أن اتفاق غزة يمثل "فرصة تاريخية فريدة، وربما الأخيرة، لتحقيق شرق أوسط خالٍ من الصراعات والتوترات".

لحظة نادرة من الإجماع الأمريكي

وفي مشهد نادر في السياسة الأمريكية المعروفة بانقسامها الحاد، امتدح شخصان بارزان من الحزب الديمقراطي، هما الرئيسان السابقان جو بايدن وبيل كلينتون، الرئيس ترامب على نجاحه في التوصل إلى اتفاق غزة.

فقد وصف بايدن الاتفاق بأنه "طريق صعب نحو سلام مستحق"، مشيدًا بجهود ترامب وفريقه في تحقيق وقف إطلاق النار، وإعادة الرهائن، وتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين.

أما كلينتون، فأكدت أن ترامب وإدارته ومعهم دولة قطر وجهات إقليمية أخرى "يستحقون تقديرًا كبيرًا" لإبقائهم الأطراف على طاولة المفاوضات حتى لحظة التوصل إلى الاتفاق.

وتُعدّ هذه الإشادة المتقاطعة من قيادات ديمقراطية سابقة للرئيس الجمهوري ترامب إشارة غير معتادة في المشهد السياسي الأمريكي، الذي يعاني من استقطاب حاد منذ سنوات.

ويرى محللون أن هذا التقارب المفاجئ في الخطاب يعكس إدراكًا داخل واشنطن بأن نجاح اتفاق غزة قد يشكّل نقطة تحول في ملفات الشرق الأوسط، بل وربما يعيد رسم التوازنات السياسية في العاصمة الأمريكية نفسها.

أما الرئيس ترامب، فبدا متفاجئًا من موجة الثناء، وقال مازحًا خلال لقاء صحفي: "منشور بيل كان لطيفًا جدًا، لقد كانت بيننا علاقة قديمة جيدة"، مذكّرًا بحضور بيل وهيلاري كلينتون حفل زفافه في نيويورك قبل سنوات.

وفيما تجاهل الرئيس الأسبق باراك أوباما ذكر اسم ترامب في بيانه حول الاتفاق، علّق المتحدث باسم البيت الأبيض ستيفن تشيونغ على هذا التجاهل قائلًا عبر منصة "إكس": "اذكر اسمه... الرئيس دونالد ج. ترامب".

ترامب يوجه أنظاره نحو أوروبا

وبينما تتواصل ردود الفعل الإيجابية على اتفاق غزة، يبدو أن ترامب يحاول الآن توجيه بوصلته السياسية نحو ملف آخر لا يقل تعقيدًا، وهو الحرب في أوكرانيا.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي أنه سيستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة المقبل، في لقاء وُصف بأنه "استراتيجي"، لبحث سبل التهدئة في أوروبا وتعزيز قدرة كييف على الدفاع عن نفسها.

وقال ترامب للصحفيين: "اللقاء سيكون جزءًا من جهودنا المستمرة لإحلال السلام في أوروبا"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "تعمل على مسار دبلوماسي جديد لإنهاء النزاعات من خلال التفاهم لا القوة".
من جهته، أوضح زيلينسكي في مؤتمر صحفي بالعاصمة كييف أن الملف الرئيسي في المباحثات سيكون الدفاع الجوي، إلى جانب مناقشة مشاريع تعاون مع شركات أمريكية في مجالات الطاقة والتسليح.

وساطة تركية محتملة

وفي السياق ذاته، كشف ترامب عن إمكانية لعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دورًا محوريًا في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى أن تركيا "تحتفظ بعلاقات مع الطرفين وتملك القدرة على التوسط بفعالية".

وتأتي هذه التصريحات بعد ساعات من توقيعه إلى جانب أردوغان والسيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على "إعلان السلام من أجل الازدهار الدائم" في مدينة شرم الشيخ، والذي اعتبره البيت الأبيض "وثيقة تأسيسية لشرق أوسط جديد".

إعلان شرم الشيخ للسلام

وجاء في نص الإعلان الذي نشره البيت الأبيض أن القادة الأربعة اتفقوا على "إطلاق عهد جديد من الأمن والازدهار والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، متعهدين بالعمل معًا لـ"تفكيك التطرف ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات".
وأكد الإعلان على أهمية احترام الروابط الدينية والتاريخية العميقة في المنطقة، وحماية المواقع التراثية، وتعزيز التعليم والفرص الاقتصادية كركائز للسلام المستدام.

كما شدّد القادة الموقعون على أن الشرق الأوسط لا يستطيع تحمل دورة جديدة من الحروب الطويلة أو المفاوضات المتعثرة، داعين إلى تبني الحوار الدبلوماسي كوسيلة لحل النزاعات المستقبلية.

ويرى مراقبون أن هذا الإعلان، رغم لغته المثالية، يشكل أول وثيقة متعددة الأطراف برعاية أمريكية منذ "اتفاقات أبراهام"، ويمنح ترامب دفعة سياسية جديدة على الساحة الدولية.

هل يقترب الاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية؟

مع هذه التطورات المتلاحقة، تظل قضية الاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية موضع ترقب دولي واسع.
ويرى دبلوماسيون أن واشنطن قد تسعى إلى اختبار ردود الفعل الإسرائيلية والعربية قبل اتخاذ أي خطوة رسمية، خصوصًا أن الاعتراف بدولة فلسطينية — حتى وإن جاء مشروطًا — قد يُحدث زلزالًا سياسيًا في المنطقة ويعيد تموضع التحالفات.

في المقابل، يحذر بعض المراقبين من أن ترامب، المعروف ببراغماتيته الشديدة، قد يستخدم ملف الاعتراف كورقة تفاوضية لانتزاع مكاسب اقتصادية وسياسية من الأطراف الإقليمية، دون الإقدام على خطوة حقيقية في المدى القريب.

لكن المؤكد أن اتفاق غزة أعاد فتح الباب أمام سيناريوهات كانت تبدو بعيدة المنال، وأعاد إلى الطاولة الدولية النقاش حول "حل الدولتين" الذي ظل مجمّدًا لأكثر من عقد من الزمن.

ومع استمرار التحركات الدبلوماسية الأمريكية، يترقب العالم ما إذا كان الرئيس ترامب سيحوّل هذه الفرصة التاريخية إلى اختراق فعلي في مسار القضية الفلسطينية، أم أنها ستبقى مجرد صفحة أخرى من صفحات السياسة الأمريكية المتقلبة في الشرق الأوسط.