دراسات وأبحاث

صقور المخابرات المصرية.. القوة السرية التي لا تظهر إلا عند الخطر

الخميس 09 أكتوبر 2025 - 12:08 ص
هايدي سيد
الأمصار

هم رجال الظل الذين لا يظهرون إلا عندما يكون الوطن في خطر، يتحركون بصمت، يضربون بدقة، ويختفون بلا أثر. 

يعرفهم العالم باسم قوات G.I.S، وهي اختصار لجهاز المخابرات العامة المصرية (General Intelligence Service)، الذراع الأقوى في منظومة الأمن القومي المصري، والقوة التي تُمثّل خط الدفاع السري عن البلاد ضد الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود.

وخلال الأيام الماضية، لفتت قوات G.I.S الأنظار مجددًا بعد ظهورها في منتجع شرم الشيخ لتأمين المفاوضات الحساسة الجارية بين وفود من حركة حماس وإسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، في وقت بالغ الدقة يشهد جهودًا مصرية مكثفة لتحقيق وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

ورصدت عدسات الكاميرات تلك القوة الخاصة وهي تؤمّن الوفود المشاركة بحرفية عالية، لتعيد إلى الأذهان حضورها النادر في المناسبات الأمنية الكبرى، ما أثار فضول المتابعين حول طبيعتها ومهامها الخاصة.

قوات لا تُرى.. ولكن يُشعر بها

تُعد قوات G.I.S من أكثر الوحدات الأمنية المصرية سرية واحترافًا، إذ تعمل تحت إشراف مباشر من رئاسة جهاز المخابرات العامة المصري، وتنفّذ مهام عالية الحساسية تتراوح بين مكافحة الإرهاب، وجمع المعلومات، وحماية الشخصيات الهامة، وتنفيذ عمليات نوعية داخل البلاد وخارجها.

ويصف خبراء الأمن في المنطقة هذه القوات بأنها نظير وحدات العمليات الخاصة الأمريكية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA Special Activities Center)، وكذلك نظير لقوات SAS البريطانية الشهيرة، لما تتمتع به من تدريب نوعي وتسليح متطور وانضباط ميداني استثنائي.

وبحسب مصادر أمنية عربية، تخضع عناصر قوات G.I.S لبرامج تدريب متقدمة تشمل القتال القريب (Close Combat)، والقنص طويل المدى، والقفز المظلي والعمليات المحمولة جوًا، إلى جانب حرب المدن والتسلل الليلي، فضلاً عن تدريبات على اللغات الأجنبية والاتصال الميداني المشفر لضمان الكفاءة في البيئات الخارجية.

مهام متعددة داخل وخارج الحدود

تتولى قوات G.I.S تنفيذ العمليات الأكثر تعقيدًا في سجل المخابرات المصرية، بما في ذلك تحرير الرهائن، وملاحقة الإرهابيين المطلوبين، وتأمين الشخصيات المصرية والأجنبية رفيعة المستوى أثناء زياراتها للبلاد.
كما تشارك هذه القوات في عمليات خارج الحدود عند الحاجة، بالتنسيق مع القوات المسلحة المصرية، سواء في دعم الدول الصديقة ضد الإرهاب، أو في عمليات استخباراتية نوعية لا يُعلن عنها رسميًا.

ومن بين مهامها المعروفة أيضًا تأمين البعثات الدبلوماسية المصرية في مناطق النزاع، ومرافقة الوفود الحكومية أثناء المفاوضات الدولية الحساسة، كما حدث مؤخرًا في محادثات شرم الشيخ الجارية حول الوضع في غزة.

وتُسند إليها كذلك عمليات نقل شخصيات مطلوبة أمنياً، أو استلام متهمين في قضايا إرهابية من الخارج، وهي مهام تتطلب دقة عالية في التخطيط والتنفيذ وسرية مطلقة.

أول ظهور علني.. قضية هشام عشماوي

أول ظهور رسمي وواضح لقوات G.I.S كان في مايو 2019، عندما تسلّمت السلطات المصرية الإرهابي هشام عشماوي من الجيش الوطني الليبي بعد القبض عليه في مدينة درنة.
حينها، بثّت وسائل الإعلام المصرية صوراً لعناصر G.I.S وهي تحيط بعشماوي، مرتدين بزّاتهم السوداء المميزة التي تحمل شعار الجهاز. وقد أثار المشهد اهتمام الرأي العام العربي والدولي، باعتباره إشارة نادرة إلى وجود هذه القوة المتخصصة التي لا تظهر عادة في العلن.

وفي مايو 2021، ظهرت القوات مرة أخرى أثناء زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية آنذاك اللواء عباس كامل إلى قطاع غزة، حيث رافقته خلال جولة مباحثات أجراها مع مسؤولين من حركة حماس والسلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بعد التصعيد العسكري حينها.

قوة في الظل.. ذات انضباط صارم وسرية مطلقة

لا يُعرف على وجه التحديد عدد عناصر قوات G.I.S أو مواقع انتشارها داخل مصر، إذ تُعتبر بياناتها من أسرار الأمن القومي، لكن مصادر مطلعة تشير إلى أن هيكلها التنظيمي يضم وحدات متخصصة في الاستطلاع والمداهمة والتحليل الميداني والعمليات الخارجية.

وتُنفذ هذه القوات عملياتها بتكامل كامل مع أجهزة الأمن المصرية الأخرى، وعلى رأسها القوات المسلحة ووزارة الداخلية، في إطار منظومة موحدة لحماية الدولة من الإرهاب والتجسس والتسلل عبر الحدود.
ويقول أحد الخبراء الأمنيين العرب إن «قوات G.I.S هي العين التي ترى ما لا يراه الآخرون، واليد التي تضرب دون إعلان».

التدريب والتجهيز

تُدرب قوات G.I.S على أيدي خبراء مصريين وعرب وأجانب في منشآت سرية داخل القاهرة وسيناء، كما تشارك بعض عناصرها في تدريبات خارجية في دول حليفة.
وتستخدم أحدث الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأنظمة الرؤية الليلية، والطائرات المسيّرة للمراقبة، وتقنيات الاتصالات المشفرة. كما تُجهّز بآليات مدرعة خفيفة مصممة للعمليات السريعة في البيئات المدنية والجبلية.

ويُعرف عناصرها بقدرتهم على التحرك في مجموعات صغيرة تتمتع باستقلالية القرار الميداني، ما يمنحهم مرونة كبيرة في مواجهة التهديدات غير التقليدية.

الظهور الأخير.. تأمين مفاوضات شرم الشيخ

أحدث مهام قوات G.I.S التي لفتت الأنظار كانت تأمين المفاوضات الجارية في منتجع شرم الشيخ، والتي تضم وفودًا من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، برعاية مصرية وقطرية.
تزامن ذلك مع وجود شخصيات بارزة مثل خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحماس، الذي نجا الشهر الماضي من محاولة اغتيال إسرائيلية في الدوحة.
ورغم أن الظهور الأمني للقوات جاء محدودًا، فإن مصادر أمنية أكدت أنها تولّت الإشراف الكامل على عمليات التأمين والمراقبة والاستخبارات الميدانية داخل المنتجع وحوله، في ظل حساسية المفاوضات ومستوى الضيوف المشاركين.

دور وطني يتجاوز الحدود

منذ تأسيسها، ارتبطت قوات G.I.S بدور مصري أوسع في حماية الأمن القومي العربي والإقليمي، خصوصاً في ملفات مثل ليبيا والسودان وغزة، حيث تعمل القاهرة على تحقيق الاستقرار عبر أدوات دبلوماسية وأمنية متكاملة.
ويرى مراقبون عرب أن «قوات G.I.S ليست فقط وحدة مصرية، بل هي أحد أذرع الأمن الإقليمي العربي، لما تمثله من خبرة وتدخلات دقيقة في مناطق النزاع».

قوة لا تحتاج إلى إعلان

رغم أن العالم يشاهد بين حين وآخر صوراً نادرة لعناصر G.I.S في الميدان، فإن جهاز المخابرات العامة المصرية يلتزم سياسة الغموض الإيجابي، فلا يعلن عن عملياته ولا عن أسماء أفراده.
تلك السياسة، كما يقول محللون، هي سرّ قوة الجهاز، إذ تضمن له حرية الحركة والمفاجأة في مواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي.

وفي ظل الظروف الإقليمية الراهنة وما تشهده المنطقة من توترات أمنية، يتوقع أن تظل قوات G.I.S في قلب الأحداث، تؤدي دورها في صمت، كما اعتادت منذ عقود، لتبقى بحق صقور المخابرات المصرية وحصنها السري المنيع.