تشهد إسبانيا في الأسابيع الأخيرة توترًا متصاعدًا عقب سلسلة من الأحداث العنيفة في بلدة طوري باتشيكو بإقليم مورسيا، حيث تحولت حادثة اعتداء فردية إلى أزمة اجتماعية ذات أبعاد عنصرية، وسط تحذيرات من منظمات حقوقية ونقابية من خطر تنامي خطاب الكراهية ضد الجالية المغربية، التي تُعد من أكبر الجاليات الأجنبية في البلاد.
وتعود تفاصيل الحادث إلى التاسع من يوليو 2025، حين تعرض رجل إسباني يبلغ من العمر 68 عامًا لاعتداء من قبل ثلاثة شبان، في واقعة وثقها مقطع فيديو انتشر سريعًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وكشفت التحقيقات الأولية أن الجريمة ربما كانت جزءًا من “تحدٍ شبكي” متداول بين بعض الشباب، بحسب ما أوردته صحيفة "إل دياريو" الإسبانية. وأكدت الشرطة أن الضحية نُقل إلى المستشفى مصابًا بجروح خطيرة في الرأس والوجه.
لكن سرعان ما تحوّل الغضب الشعبي إلى موجة تحريض ضد الجالية المغربية، بعدما تداولت حسابات مرتبطة بأحزاب اليمين المتطرف مقاطع الفيديو مرفقة بتعليقات تتهم المهاجرين بـ“تهديد الأمن القومي” و“غزو الأحياء الإسبانية”. ونتيجة لذلك، خرجت مجموعات من المتظاهرين إلى الشوارع في مورسيا، ووقعت اعتداءات استهدفت متاجر وممتلكات لمهاجرين مغاربة، ما دفع العديد من العائلات إلى إغلاق أعمالها خوفًا من التصعيد.
وأفادت صحيفة "لابرِداد دي مورسيا" أن الحرس المدني الإسباني أوقف حتى 11 يوليو أكثر من 13 شخصًا، بينهم المشتبه الرئيسي في الاعتداء على المسن الإسباني، وعدد من المحرضين على العنف، بينما فُتحت ملفات جنائية بتهم تتعلق بـ"التمييز العنصري والتحريض على الكراهية". كما أعلنت النيابة العامة في مورسيا عن فتح تحقيق موسع شمل منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لأعضاء في حزب "فوكس" اليميني، تتضمن دعوات صريحة ضد المهاجرين المغاربة.
وأشارت صحيفة "20 مينوتوس" إلى أن النيابة العليا في الإقليم بدأت دراسة إمكانية ملاحقة بعض السياسيين بتهم التحريض على الكراهية، استنادًا إلى الشكاوى المقدمة من أحزاب اليسار، من بينها الحزب الاشتراكي العمالي وحزب بوديموس.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الشرطة عن توقيف شخص يقود مجموعة على تطبيق تيليغرام تحمل اسم “اطردوهم الآن”، يُشتبه في استخدامها للتنظيم والتحريض على مهاجمة المهاجرين.
وفي خضم هذه الأحداث، أصدرت جمعيات حقوق الإنسان والنقابات المحلية بيانات شديدة اللهجة، حذّرت فيها من تصاعد ما وصفته بـ“العنف العرقي الممنهج”، داعية السلطات الإسبانية إلى مواجهة الخطاب العنصري بحزم، وحماية حقوق جميع المقيمين دون تمييز. وأكدت المنظمات أن الجالية المغربية تُعد جزءًا أصيلًا من المجتمع الإسباني منذ عقود، ولا يجوز ربطها بجريمة فردية أو استخدام اسمها في الدعاية السياسية.
وتبقى أزمة مورسيا مرآة تعكس تحديًا متناميًا تواجهه أوروبا عمومًا، وهو كيفية الموازنة بين حرية التعبير وضبط خطاب الكراهية، في زمن تتضاعف فيه سرعة انتشار التحريض الرقمي وتأثيره على السلم الاجتماعي.