تشهد الساحة الإقليمية توترًا متصاعدًا بين مصر وإثيوبيا في ظل تدهور الأوضاع المائية في السودان نتيجة فيضانات غير مسبوقة ضربت مناطق عدة على ضفاف النيل الأزرق.
وأعلنت الإدارة العامة لشؤون مياه النيل في السودان عن رصد انخفاض حاد في مناسيب المياه بقطاعي الروصيرص في ولاية سنار والعاصمة الخرطوم، وسط مؤشرات على اضطرابات غير معتادة في تدفقات النهر.
بحسب بيان رسمي لوزارة الري السودانية، فإن الانخفاض المفاجئ في المناسيب تزامن مع ارتفاعات متقطعة في مناطق أخرى، ما يشير إلى “اختلالات في التصريفات المائية القادمة من المنبع الإثيوبي”. وأوضحت الوزارة أن هذه التغيرات المفاجئة قد تُحدث تأثيرات مباشرة على الزراعة والمجتمعات المحلية التي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل، خاصة في ولايات الخرطوم وسنار والنيل الأزرق.
في الوقت نفسه، أكدت الحكومة الإثيوبية أنها بدأت التواصل رسميًا مع الجانب السوداني لتبادل المعلومات الفنية حول حركة المياه، في محاولة لتهدئة المخاوف المتزايدة، لكنها وجهت أيضًا رسائل حادة لمصر، متهمة إياها بـ"تسييس الملف المائي" وعرقلة أي تفاهمات فنية حول سد النهضة.
الأزمة المائية الأخيرة أعادت إشعال الخلافات بين وزارتي الري في مصر وإثيوبيا، حيث تبادلت العاصمتان الاتهامات بشأن مسؤولية الفيضانات التي اجتاحت الأراضي السودانية مطلع أكتوبر 2025.
واتهمت القاهرة أديس أبابا بالتسبب في “فيضان صناعي متعمّد” عبر تصريفات غير منسقة من سد النهضة، مما أدى إلى تضرر آلاف الأفدنة الزراعية ومئات المنازل في مناطق شرق السودان.
وردت وزارة الري الإثيوبية ببيان شديد اللهجة وصفت فيه الاتهامات المصرية بأنها “ادعاءات غير علمية”، مؤكدة أن عمليات تصريف المياه من السد تتم وفق معايير فنية مدروسة ولا تهدف إلى إحداث أضرار لأي دولة من دول المصب.
كما أبدت استعدادها لإجراء تقييم فني مشترك لإثبات براءتها من تلك الاتهامات.
وفي خضم هذا التوتر، أصدرت وزارة الري السودانية تحذيرًا عاجلًا يوم السبت 4 أكتوبر 2025، دعت فيه سكان المناطق المحاذية للنيل إلى اتخاذ تدابير وقائية فورية بعد رصد ارتفاع قياسي في منسوب المياه عند جبل أولياء جنوب الخرطوم.
وأشارت الوزارة إلى أن المناسيب سجلت ارتفاعًا إضافيًا في مناطق شندي وكجبار شمال السودان، محذّرة من استمرار حالة الاضطراب في تدفقات النهر خلال الأيام المقبلة.
وتأتي هذه التطورات وسط مخاوف من تفاقم الآثار المناخية في المنطقة، حيث تزامنت تصريفات سد النهضة مع تأخر هطول الأمطار الموسمية، ما يضع السودان أمام تحديات مائية مزدوجة تتعلق بالفيضانات من جهة، والجفاف النسبي من جهة أخرى.
وبينما تحاول الخرطوم التعامل مع تداعيات الأزمة على الأرض، يرى مراقبون أن استمرار غياب التنسيق بين الدول الثلاث قد يؤدي إلى تصعيد جديد في ملف سد النهضة، خاصة مع اقتراب موسم التخزين القادم.
ويرى خبراء في الشأن المائي أن “الشفافية في تبادل المعلومات” هي السبيل الوحيد لتجنب كوارث مائية مستقبلية قد تمس استقرار القرن الإفريقي بأكمله.