دراسات وأبحاث

أسطول الصمود بين الاعتراض والدعم الدولي.. معركة دبلوماسية وإنسانية تتجدد

الخميس 02 أكتوبر 2025 - 07:12 م
جهاد جميل
الأمصار

تشهد الساحة الدولية خلال الساعات الأخيرة حالة من التوتر المتصاعد، بعد اعتراض قوات البحرية الإسرائيلية عدداً من سفن "أسطول الصمود العالمي" المتجهة إلى قطاع غزة، في محاولة جديدة لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة. وبينما تتباين ردود الفعل بين العواصم الأوروبية، يواصل المنظمون والناشطون إصرارهم على المضي في رحلتهم الإنسانية، لتتحول القضية من مجرد تحرك مدني إلى معركة سياسية ودبلوماسية واسعة الأبعاد.

تحرك إسباني سريع

إسبانيا كانت أولى الدول التي بادرت باتخاذ موقف رسمي، إذ استدعت وزارة الخارجية القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في مدريد، على خلفية اعتراض القوات البحرية الإسرائيلية لسفن الأسطول. وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أكد أن بلاده تتابع باهتمام بالغ مصير 65 مواطناً إسبانياً كانوا على متن هذه السفن، مشيراً إلى أن مدريد لن تتهاون في ضمان حقوق وسلامة مواطنيها المشاركين في المهمة.

هذا الموقف يعكس إدراك إسبانيا لحساسية الموقف، خاصة في ظل البعد الإنساني الواضح للتحرك الذي ينقل مساعدات عاجلة من غذاء وحليب أطفال ومواد طبية إلى غزة، وهو ما جعل أي مساس به قضية تتجاوز البعد المحلي إلى الرأي العام الأوروبي والدولي.

قلق بريطاني واتصالات عاجلة

بريطانيا بدورها عبّرت عن "قلق بالغ" إزاء اعتراض الأسطول، مؤكدة أنها على تواصل مستمر مع عائلات عدد من المشاركين البريطانيين على متن القوارب. الخارجية البريطانية أوضحت أنها تجري اتصالات مع السلطات الإسرائيلية لضمان سلامة مواطنيها والتعامل معهم بشكل يحترم القوانين الإنسانية الدولية.

ويأتي هذا الموقف في وقت حساس للعلاقات البريطانية – الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الضغوط الشعبية والبرلمانية التي تزداد مع كل عملية عسكرية أو حصار يتعرض له قطاع غزة.

الموقف الإسرائيلي.. ترحيل لا مواجهة

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستقوم بترحيل جميع الناشطين الذين كانوا على متن الأسطول إلى دول أوروبية. وفي بيان رسمي أوضحت أن "الركاب بخير وفي صحة جيدة، وهم في طريقهم إلى إسرائيل حيث ستبدأ إجراءات إعادتهم إلى أوروبا".

ورغم محاولة تل أبيب تصوير الأمر باعتباره إجراءً روتينياً، إلا أن المشاهد التي بثتها السلطات الإسرائيلية لمشاركين بارزين مثل الناشطة السويدية غريتا تونبرغ وهي محاطة بعناصر مسلحة، أثارت موجة جدل وانتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية.

المنظمون يتحدّون الاعتراض

في المقابل، أكد منظمو "أسطول الصمود" أنهم ماضون في رحلتهم رغم الاعتراضات الإسرائيلية، معتبرين ما جرى "هجوماً غير قانوني على عمال إغاثة عزّل". ودعوا الحكومات والمؤسسات الدولية إلى التدخل العاجل لحماية الناشطين وضمان وصول المساعدات إلى القطاع.

وعبر منصاتهم الرقمية، أعلن المنظمون أن نحو 30 قاربا آخر ما زال يواصل طريقه نحو غزة على بعد 46 ميلاً بحرياً فقط، رغم ما وصفوه بـ"الهجمات المتواصلة" من البحرية الإسرائيلية.

مشاركة رمزية لشخصيات بارزة

التحرك لم يقتصر على النشطاء المدنيين فقط، بل شاركت فيه شخصيات رمزية لافتة، بينها ماندلا مانديلا حفيد الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، إضافة إلى آدا كولاو رئيسة بلدية برشلونة السابقة. هذه المشاركة أعطت للأسطول زخماً سياسياً وإعلامياً مضاعفاً، وربطت القضية بمعركة أوسع ضد سياسات التمييز والحصار.

رسالة إنسانية تتجاوز السياسة

انطلق "أسطول الصمود العالمي" من السواحل الإسبانية في سبتمبر الماضي، ويضم حوالي 45 سفينة تقل مئات الناشطين من أكثر من 40 دولة. الهدف المعلن للأسطول هو كسر الحصار المفروض على غزة وإيصال مساعدات إنسانية عاجلة لسكانها الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة تصل حد المجاعة ونقص الأدوية.

ويؤكد المنظمون أن مهمتهم "سلمية وغير عنيفة"، وأنهم يرفعون شعار "الحق في الحياة الكريمة" لسكان غزة، بعيداً عن أي حسابات سياسية ضيقة.

ردود فعل دولية مرتقبة

المتابعون للشأن السياسي يتوقعون أن يشكل هذا التطور محور نقاش واسع في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال الأيام المقبلة، خاصة مع اتساع دائرة التضامن الشعبي والإعلامي مع الأسطول. ومن المرجح أن يضع الحادث مزيداً من الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي تواجه بالفعل انتقادات متزايدة بشأن سياستها تجاه الفلسطينيين.

 

وبينما تواصل بعض قوارب الأسطول رحلتها باتجاه غزة متحدية اعتراض البحرية الإسرائيلية، تتجه الأنظار إلى المواقف الدولية القادمة، خصوصاً الأوروبية، لمعرفة ما إذا كان هذا التحرك سيبقى في إطار بيانات القلق والاستدعاءات الدبلوماسية، أم أنه سيتطور إلى خطوات أكثر تأثيراً تضغط باتجاه كسر الحصار أو تخفيفه على الأقل.

"أسطول الصمود" إذاً، لم يعد مجرد قافلة بحرية تحمل مساعدات إنسانية، بل أصبح رمزاً لمقاومة الحصار وإحياء النقاش العالمي حول معاناة سكان غزة، ومعركة جديدة في ميدان الدبلوماسية الدولية بين حقوق الإنسان ومتطلبات الأمن.