في ظل تعقيدات المشهد الفلسطيني الإسرائيلي، طُرحت خطة أمريكية جديدة تُسوّق باعتبارها مبادرة إنسانية لإعادة إعمار غزة وتحسين الأوضاع المعيشية لسكانها .
غير أن القراءة المتعمقة لبنود الخطة وتوقيتها، تُظهر أبعاداً سياسية وأمنية تتجاوز بكثير الشعارات الإنسانية المعلنة.
وفي هذا السياق، تحدث الدكتور وليد عتلم، الباحث في المركز الوطني للدراسات، لموقع "الأمصار"، موضحاً أن الخطة تُعد محاولة لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بما يخدم أولاً وأخيرًا أمن إسرائيل.
يرى د. عتلم أن جوهر الخطة يتمثل في تفريغ غزة من الفصائل المسلحة وحركات المقاومة، ووضع القطاع تحت إدارة محايدة بإشراف أمريكي مباشر، "هي خطة ظاهرها إنساني، لكن مضمونها عسكري سياسي يهدف إلى ضمان أمن إسرائيل ومنع تكرار هجمات على غرار طوفان الأقصى"، بحسب تعبيره.
وحول تأثير هذه الخطة على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يؤكد الباحث أن "أي خطة لا تتناول جذور القضية: الأرض، السيادة، القدس، وحق العودة، ستبقى مجرد تسكين مؤقت للأزمة دون تسوية حقيقية".
ويشير د. عتلم إلى أن الخطة لا تقتصر على قطاع غزة، بل تُعد جزءاً من مشروع إقليمي أوسع يهدف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ والتوازنات الأمنية في المنطقة.
ويضيف: "الهدف النهائي هو تحييد الفاعلين المسلحين من غير الدول، ليس فقط في غزة، ولكن أيضاً في لبنان وسوريا والعراق واليمن، لصالح تفوق استراتيجي إسرائيلي".
فيما يتعلق بالدور الأمريكي، يرى المحلل السياسي أن الولايات المتحدة هي الراعي المباشر للخطة، لكن نجاحها مشروط بـ"موافقة ومشاركة مصرية أردنية"، باعتبارهما الطرفين الأكثر التصاقاً بالملف الفلسطيني سياسياً وأمنياً. كما سيكون للخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات، دور حاسم في توفير التمويل والدعم السياسي.
"غياب الغطاء الإقليمي يعني أن الخطة لن تتجاوز كونها اتفاقاً ثنائياً بين واشنطن وتل أبيب، وهو ما سيرفضه الفلسطينيون ولن يصمد على الأرض"، حسب قوله.
ويؤكد د. عتلم أن إسرائيل تنظر إلى الخطة كفرصة استراتيجية للتخلص من تهديد الفصائل في غزة، موضحاً أن "موافقة نتنياهو المبدئية على الخطة تُشير إلى ما تحققه من مكاسب لتل أبيب، في مقدمتها تحييد حماس والفصائل، أو على الأقل الحد من قدرتها العسكرية".
ويعتبر الباحث أن أحد الأهداف الرئيسية للخطة يتمثل في نزع سلاح الفصائل مقابل تحسينات معيشية، لكنه في الوقت ذاته يُعد أحد أبرز العقبات أمام تطبيقها، خاصة إذا رفضت حماس والجهات المسلحة الأخرى التخلي عن سلاحها.
وحول الموقف المصري، يؤكد د. عتلم أن القاهرة تظل الفاعل المركزي في أي مبادرة تتعلق بالقضية الفلسطينية.
"مصر لن تفرّط في ثوابتها"، يقول، مشيراً إلى تمسك القاهرة بـ"حل الدولتين، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والرفض القاطع لأي تهجير قسري أو طوعي للفلسطينيين".
كما أشار إلى أن الخطة الأمريكية اضطرت لـ"الرضوخ للموقف المصري الصلب في ملف التهجير".
وحول ما إذا كانت الخطة تُمهّد لتصفية القضية الفلسطينية، يرى د. عتلم أن ذلك يعتمد على شكل التنفيذ. ويحذر من أن "فصل غزة عن الضفة خارج إطار السلطة الفلسطينية، سيُنظر إليه كخطوة باتجاه تصفية القضية عبر الحلول الاقتصادية بدلًا من الحل السياسي".
وفي ظل انعدام الثقة في السياسات الأمريكية، يؤكد الباحث أن الشارع الفلسطيني سيتعامل مع الخطة برفض وشك كبيرين، خاصة إذا طُرحت على أنها مبادرة إنسانية دون معالجة جوهرية للقضايا المحورية: الأرض، القدس، والحق في الدولة المستقلة.
يختتم د. عتلم حديثه بالتشكيك في جدوى الخطة، قائلاً:"التجارب السابقة علمت الفلسطينيين أن المبادرات الأمريكية تنتهي عادة بتكريس الأمر الواقع لا تغييره". وبالتالي، فإن أي خطة لا تقترن بضمانات سياسية واضحة وملزمة، ستُعتبر محاولة لشراء الهدوء، لا لحل الصراع.