في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ اندلاع الحرب الدامية في قطاع غزة قبل عامين، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الإثنين، خطته الجديدة لإنهاء الحرب، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.
وبينما اعتبر ترامب أن خطته تشكل "صفقة تاريخية" لإحلال السلام، يرى مراقبون أنها أقرب إلى إنذار مباشر لحركة حماس، التي تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: القبول بشروط قاسية أو مواجهة حملة عسكرية إسرائيلية أوسع بدعم أمريكي كامل.
الخطة، التي كشف ترامب ملامحها، تقوم على عدة بنود رئيسية أبرزها:
انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الإبقاء على منطقة عازلة واسعة داخل حدود القطاع "في المستقبل المنظور".
استبعاد حركة حماس بشكل كامل من أي دور سياسي في حكم القطاع مستقبلاً.
نزع سلاح الحركة والفصائل المسلحة بشكل كامل.
تشكيل "مجلس السلام" لإدارة غزة مؤقتًا، يرأسه ترامب نفسه، ويضم شخصيات دولية مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
منح السلطة الفلسطينية فرصة لتولي الحكم بعد تنفيذ برنامج إصلاح شامل وموثوق.
الإقرار بحق الفلسطينيين في "دولة مستقبلية"، لكن من دون أي ضمانات أو جدول زمني واضح، إذ ربط الأمر بمدى نجاح إعادة الإعمار والإصلاح السياسي في غزة.
ويبدو أن المقترح الأخير يُمثل تراجعًا جزئيًا عن أفكار سابقة طرحها ترامب مطلع العام، والتي تضمنت إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة ضمن خطة إعادة التطوير. ففي النسخة الحالية، أكد الرئيس الأمريكي أن الفلسطينيين "سيُشجعون على البقاء في القطاع لبناء غزة أفضل".
ومن جانبه، رحّب نتنياهو بالخطة واعتبرها منسجمة مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة لحين التأكد من تنفيذ جميع البنود، خصوصًا المتعلقة بنزع سلاح حماس. وأضاف: "إسرائيل ستحافظ على منطقة عازلة داخل القطاع لضمان أمن مواطنيها".
ويرى محللون أن الخطة منحت نتنياهو مكاسب استراتيجية، أبرزها استمرار التفوق العسكري لإسرائيل، والاعتراف الأمريكي العلني بحقها في "اتخاذ ما يلزم" إذا رفضت حماس الالتزام بالاتفاق.
وحتى اللحظة، لم تُعلن حركة حماس موقفًا رسميًا نهائيًا من الخطة. غير أن المؤشرات الأولية تشير إلى أنها تلقت المقترح بفتور، إذ يتضمن شروطًا كانت الحركة قد أعلنت مرارًا رفضها، وعلى رأسها التخلي عن سلاحها والخروج من المشهد السياسي.
في المقابل، كشفت مصادر دبلوماسية أن الوفد التفاوضي لحماس، الذي تسلّم الخطة عبر وساطة قطرية ومصرية، وعد بدراسة بنودها "بمسؤولية".
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، إن الدوحة والقاهرة سلّمتا نسخة الخطة للحركة، مشيراً إلى أن وفدها سيُجري مشاورات إضافية بمشاركة الجانب التركي.
وصرح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أن رد حماس الأولي "إيجابي للغاية"، موضحًا أن الحركة وعدت بدراسة المقترح "بحسن نية". لكن مراقبين اعتبروا أن هذا الرد لا يعني قبولًا نهائيًا، بل محاولة لكسب الوقت وسط الضغوط الميدانية والعسكرية.
رغم تمسكها المعلن بسلاحها ودورها السياسي، إلا أن خبراء يرجحون أن تجد حماس نفسها مضطرة لقبول بعض بنود الخطة بسبب الوضع الميداني المتدهور.
إليوت أبرامز، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أكد أن "الحملة العسكرية الإسرائيلية وضعت حماس في موقف ضعيف للغاية، وقد يضطر قادتها إلى القبول لإنقاذ حياتهم". وأضاف: "كان رهان الحركة أن الضغوط الدولية ستجبر إسرائيل على التوقف، لكن ترامب استبعد هذا الخيار بوضوح، ما يضع الحركة في زاوية حرجة".
ورغم الضجة التي أثارتها الخطة، إلا أنها تترك العديد من علامات الاستفهام:
كيف يمكن إقناع حماس بالتخلي عن سلاحها بينما تعتبره "خط الدفاع الأول" عن غزة؟
من سيضمن تنفيذ البنود على الأرض، خاصة في ظل انعدام الثقة بين الأطراف؟
ما مصير الدولة الفلسطينية التي بقيت مجرد "طموح" بلا جدول زمني أو ضمانات واضحة؟
صحيفة نيويورك تايمز وصفت الخطة بأنها "غامضة" وتفتقر إلى رؤية شاملة للحل السياسي، محذرة من أن رفض حماس قد يدفع إسرائيل لتكثيف عملياتها العسكرية في القطاع بدعم أمريكي.
واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل في الخطة هي تشكيل "مجلس السلام" الذي سيحكم غزة مؤقتًا برئاسة ترامب نفسه، إلى جانب شخصيات دولية أخرى. الرئيس الأمريكي وصف هذا الترتيب بأنه "مهمة إضافية ضرورية" مستعد للقيام بها، في إشارة إلى انخراط مباشر وغير مسبوق من واشنطن في إدارة القطاع.
آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي السابق، علّق على الأمر قائلاً: "لم أشهد خطة سلام تعتمد بهذا الشكل على الدور الشخصي لرئيس أمريكي. إذا قبلت حماس، فستتطلب الخطة دعمًا استثنائيًا وتدخلاً مستمرًا من واشنطن".
المشهد الذي جمع ترامب ونتنياهو من دون رد على أسئلة الصحفيين، ذكّر مراقبين بظهور ترامب الشهر الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا لمناقشة الحرب في أوكرانيا، حيث خرج الزعيمان أيضًا من دون نتائج ملموسة.
ويرى محللون أن ترامب يحاول إعادة تسويق نفسه كـ"صانع سلام" قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، رغم أن خطته قد تُعمّق الانقسام الفلسطيني وتورّط الولايات المتحدة أكثر في صراع معقد.
في السياق ذاته، عبّرت عواصم عربية عدة عن دعمها المبدئي لأي جهد يوقف الحرب ويخفف معاناة المدنيين في غزة، لكن مع التأكيد على ضرورة أن تكون أي خطة "منصفة وعادلة".
القاهرة والدوحة لعبتا دور الوسيط في تسليم الخطة إلى وفد حماس، فيما يُنتظر أن تنضم أنقرة إلى مشاورات أوسع مع الحركة لبحث الرد النهائي.
أما على الصعيد الدولي، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن الاتحاد الأوروبي علّق تصويتًا على قرار إيقاف مشاركة منتخب إسرائيل في المسابقات القارية بعد طرح خطة ترامب، في إشارة إلى أن المقترح الأمريكي قد يُعيد ترتيب أوراق الملف سياسيًا ورياضيًا أيضًا.
مع وضع مهلة زمنية بين 3 إلى 4 أيام لحماس للرد، يبدو أن المنطقة على أعتاب مرحلة فارقة.
ففي حال رفضت الحركة المقترح، فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي قد يبلغ مستويات غير مسبوقة.
أما إذا وافقت، فستدخل غزة في مرحلة "إدارة انتقالية دولية" قد تطول سنوات، بانتظار إصلاح السلطة الفلسطينية وتوافر الظروف لقيام دولة.
وبين هذا وذاك، تبقى معاناة سكان غزة، الذين يعيشون في مخيمات مكتظة ويواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والدواء والمياه، العامل الأكثر إلحاحًا الذي يضغط على جميع الأطراف للوصول إلى تسوية، مهما كانت صعبة أو مشروطة.
خطة ترامب للسلام في غزة تبدو، في ظاهرها، محاولة لإنهاء الحرب الدامية، لكنها في جوهرها تحمل الكثير من التعقيدات والتحديات.
فهي تُرضي إسرائيل وتضع حماس تحت الضغط، لكنها لا تمنح الفلسطينيين ضمانات حقيقية بشأن دولتهم المستقبلية.
ومع اقتراب موعد الرد من جانب الحركة، تبقى الأنظار مشدودة إلى غزة، حيث سيُحدد قرار حماس إن كانت الخطة بداية مسار جديد نحو السلام، أم مجرد محطة أخرى في صراع لا يبدو أن نهايته قريبة.