حوض النيل

كارثة الفاشر.. معركة مفصلية تهدد مستقبل السودان

الأحد 28 سبتمبر 2025 - 07:30 م
مصطفى سيد
الأمصار

تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، على وقع حرب دامية تحولت إلى واحدة من أخطر المعارك في الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023.

فالمدينة التي كانت عبر التاريخ محطة رئيسية للقوافل وسوقًا زراعيًا مزدهرًا، أصبحت اليوم ساحة مواجهة عسكرية تشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وسط مخاوف من أن تتحول إلى بوابة لانهيار السودان بأكمله.

تكتسب الفاشر أهمية استراتيجية كبيرة بحكم موقعها الجغرافي وعدد سكانها الذي يتجاوز ربع مليون نسمة. فهي آخر مدينة حضرية رئيسية تحت سيطرة الجيش في إقليم دارفور، ما يجعلها الهدف الأبرز لقوات الدعم السريع التي تسعى لحسم الصراع عسكريًا عبر السيطرة عليها.

وفي المقابل، يدرك الجيش أن خسارة الفاشر تعني انهيار وجوده في غرب البلاد بالكامل، وبالتالي فإن المعركة أخذت طابعًا وجوديًا لا يسمح بأي تنازلات أو تسويات سهلة.

إلى جانب البعد العسكري، تدفع الفاشر ثمنًا إنسانيًا باهظًا. فالسكان يعيشون تحت حصار خانق منذ مايو 2024، يعانون الجوع والمرض وانعدام الخدمات الأساسية، بينما يواجهون خطر القصف العشوائي أو الوقوع في قبضة المليشيات التي تمارس الاعتقالات والانتهاكات بحق المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال.
ولم يعد أمام الأهالي سوى خيارين كلاهما مر: البقاء تحت القصف والموت جوعًا ومرضًا، أو النزوح نحو المجهول حيث يتهددهم الخطف والانتهاكات. وقد وثقت منظمات حقوقية حوادث مأساوية مثل قصف مسجد المدينة، ما يعكس الطابع الدراماتيكي للحرب.

تصف تقارير إعلامية ودولية معركة الفاشر بأنها "معركة مفصلية" قد تحدد مستقبل السودان ككل. فالفائز فيها سيمتلك أوراق قوة للتحكم في المرحلة المقبلة، بينما يستمر غياب أي إطار سياسي جامع يعيد بناء الدولة على أساس عقد اجتماعي جديد.

ويرى محللون أن الصراع مرشح للاستمرار، في ظل توازن قوى غير محسوم، وتدخلات خارجية تغذي الحرب وتعمق الانقسام الإثني والجغرافي، ما يجعل أي تسوية سلمية قريبة أمرًا بعيد المنال.

وفي نهاية المطاف، تعكس الفاشر صورة السودان الممزق بين جيش ودعم سريع، بين حكومتين متناحرتين، وبين شعب أعزل يدفع وحده ثمن الحرب. لقد تحولت المدينة إلى "مقبرة جماعية" بدل أن تكون عاصمة للنمو والاستقرار في بلد يملك من الموارد والمساحة ما يكفي الجميع.
لكن في ظل استمرار هذا الاحتراب الصفري وغياب رؤية سياسية جامعة، يبقى السودان مهددًا بالانزلاق أكثر نحو الهاوية، فيما يتفرج العالم على كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم.