دراسات وأبحاث

خارطة طريق أم وهم سياسي؟.. خطة «ترامب» بشأن غزة تُثير الجدل

الأحد 28 سبتمبر 2025 - 07:52 ص
مصطفى عبد الكريم
ترامب - صورة تعبيرية
ترامب - صورة تعبيرية

في غزة، حيث تنطفئ أحلام الأطفال تحت ركام الحصار، وتُولد الحياة كل يوم من قلب المُعاناة، يخرج الحديث مُجددًا عن «خطة سلام أمريكية»، تُنسب إلى الرئيس «دونالد ترامب»، لكنها تبدو حتى اللحظة مُجرد ملامح عائمة دون تفاصيل واضحة. الخطة التي لم تُعلن رسميًا، ولا صيغت بكلمات واضحة من البيت الأبيض، تتردّد كهمس سياسي في الكواليس، وسط تساؤلات حقيقية: هل تحمل جديدًا لأرض أنهكها الصراع؟ أم أنها مُجرد وهم جديد يتوشّح لغة السلام ويفتقد جذور التنفيذ؟ 

وفي ظل غياب الآليات وضبابية الأهداف، تبقى «غزة» عالقة بين التصريحات الغامضة والواقع القاسي، في انتظار ما إذا كانت هذه «الخارطة» بداية طريق... أم سرابًا جديدًا.

خطة أمريكية لوقف القتال

وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب اقترحت خطة لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن وقفًا فوريًا للعمليات العسكرية، وتجميد «خطوط المعركة» كما هي، بالإضافة إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين  الأحياء، وعددهم (20) شخصًا، إلى جانب تسليم رفات أكثر من عشرين آخرين يُعتقد أنهم فارقوا الحياة، وذلك خلال مُهلة (48 ساعة).

ووفقًا للخطة المُكوّنة من (21) نقطة، سيتم تدمير جميع أسلحة «حماس» الهجومية، وسيُعرض العفو على أعضاء الحركة الذين «يلتزمون بالتعايش السلمي»، وسيتم تسهيل مرور آمن إلى دول أخرى لأعضاء حماس الذين يختارون المغادرة.

ونوهت الصحيفة إلى أن الخطة، التي تزيد قليلًا على ثلاث صفحات، والتي اطّلع عليها مسؤولون أمريكيون وحكومات المنطقة والحلفاء في اجتماعات رفيعة المستوى بالأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي، لم تحظَ حتى الآن بموافقة أيٍّ من الطرفين، إسرائيل أو حماس.

الخطة على طاولة نتنياهو

ومن المتوقع أن يضغط «ترامب» على رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»؛ لقبولها عند لقائهما يوم الإثنين في البيت الأبيض، فيما قال مسؤول إسرائيلي كبير، في إفادة صحفية يوم الجمعة، إن «تل أبيب لا تزال بحاجة إلى مراجعة الخطة قبل اجتماع المنتظر».

وأشار مسؤولون إقليميون إلى أن «حماس» لم تحصل على نسخة من الوثيقة حتى الآن.

ولا يُقدّم الاقتراح سوى تفاصيل ضئيلة، إن وُجدت، حول كيفية معالجة نقاطه الـ (21) أو تسلسلها، بعد وقف إطلاق النار الأولي، وإطلاق سراح المحتجزين، وزيادة المساعدات الإنسانية.

وبينما ينص مقترح ترامب على عدم إجبار أيٍّ من سكان غزة على المغادرة، وأن من يغادر سيكون له الحق في العودة، إلا أن الخطة لا تُحدّد إلى أين سيذهبون أثناء تنفيذ «خطة ترامب للتنمية الاقتصادية لإعادة بناء القطاع وتنشيطه».

خطة نُوقشت في البيت الأبيض

وبحسب التقرير، نُوقشت هذه الخطة في اجتماع بالبيت الأبيض عقده ترامب أواخر أغسطس، حضره «جاريد كوشنر» - الذي قاد سياسة الشرق الأوسط خلال فترة ولاية ترامب الأولى - ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق «توني بلير».

ونقل التقرير عن مسؤول من المنطقة: «لم يُحسم شيء بعد، هذه مجرد خطوط عريضة، لا تزال هناك أمور تحتاج إلى تسوية».

Trump says Israel will hand over Gaza to US after fighting ends
غزة

ووفقًا لـ«واشنطن بوست»، فإن بعض بنود الاقتراح الأمريكي مُحددة للغاية؛ حيث ينص على أنه «بمجرّد إطلاق سراح جميع المحتجزين، ستُفرج إسرائيل عن (250) سجينًا محكومًا عليهم بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى (1700) غزيّ اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر».

ومقابل كلّ محتجز إسرائيلي تُفرج «حماس» عن رفاته، ستُفرج إسرائيل عن رفات (15) غزيًّا.

إدخال مساعدات وإعمار غزة

كما ينص الاقتراح على أنه «بمجرّد قبول هذه الاتفاقية، سيتم إرسال مساعدات كاملة فورًا إلى قطاع غزة، بما في ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية (المياه والكهرباء والصرف الصحي)، وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق».

ويلفت التقرير إلى أن هذه الخطة لا تذكر من سيُنفّذ هذه الأعمال أو يُموّلها.

وسيتم دخول وتوزيع المساعدات دون تدخّل من الطرفين، عبر الأمم المتحدة ووكالاتها، بالإضافة إلى مؤسسات دولية أخرى غير مرتبطة بأيٍّ من الطرفين.

أيضًا، لم يتضح ما إذا كان ذلك يشمل «مؤسسة غزة الإنسانية»، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

حكم انتقالي تحت الرقابة

تُحدّد الخطة «حكمًا انتقاليًا مؤقتًا» من «خبراء فلسطينيين ودوليين مؤهّلين» لإدارة الخدمات العامة «يوميًا» في غزة. وستحظى هذه الهيئة الحاكمة «بالدعم والإشراف» من «هيئة دولية جديدة» تُنشئها الولايات المتحدة بالتشاور مع جهات أخرى.

في الوقت نفسه، سوف تُجري السُلطة الفلسطينية، ومقرها الضفة الغربية، إصلاحات داخلية، ريثما تُصبح قادرة على تولّي إدارة غزة في وقت لاحق.

كما ستعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين على تشكيل قوة استقرار دولية مُؤقتة، تُنشر فورًا وتُشرف على الأمن في غزة، حتى يتم تدريب قوة فلسطينية؛ وسيُسلّم جيش الاحتلال تدريجيًا أراضي غزة التي يحتلها، وفقًا للوثيقة.

وفي النهاية، سينسحب الإسرائيليون بالكامل، باستثناء «وجود مُحيطي» غير مُحدّد.

غزة تنتظر وضوح الرؤية

وبين تضارب التقديرات، وضبابية الأهداف، تبقى «خطة ترامب بشأن غزة» محط جدل واسع، لا لأنها تحمل جديدًا حاسمًا، بل لأنها – حتى اللحظة – تُطرح في غياب رؤية متكاملة وآليات تنفيذ واضحة. ففي وقتٍ تتفاقم فيه المأساة الإنسانية في القطاع، ويُثقل الصراع كاهل المدنيين، تبدو أي مبادرة بلا ضمانات واقعية أو إشراك فعلي للأطراف المعنية، أقرب إلى مشروع سياسي للاستهلاك الدولي، لا إلى خارطة طريق تُرسم على أرضٍ تنزف منذ سنوات. ويبقى السؤال مفتوحًا: «هل يُمكن لوعود غير مُعلنة أن تصنع سلامًا؟ أم أن غزة تنتظر، مرة أخرى، أن تُكتب خرائطها بيد من لا يسكنها؟»