عندما قرر أسامة بن لادن تنفيذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لم يكن هدفه الأوحد إيذاء الولايات المتحدة الأميركية، بل أيضاً الإضرار بالعلاقة القوية بين الرياض وواشنطن. ولهذا اختار أن يكون خمسة عشر سعودياً على متن الطائرات الانتحارية.
كان زعيم «القاعدة» يدرك أن ضرب العلاقة بين البلدين أهم من ضرب الأبراج. فأميركا لن تنهار بسقوط برجين، لكن العلاقة الاستراتيجية مع السعودية يمكن أن تتضرر. وبالفعل، مرت العلاقة بأزمة، لكنها سرعان ما تخطتها وعادت أكثر رسوخاً.
هذا المثال يكشف عن سعي مستمر لتقويض العلاقة مع الغرب. والأمثلة كثيرة، ليس فقط عبر العمليات الإرهابية التي استهدفت العواصم الأوروبية، بل أيضاً عبر حملات ثقافية واقتصادية متواصلة.
لقد عملت الجماعات المعادية، إسلاموية ويسارية، على تشويه هذه العلاقة المحورية وتصوير دول المنطقة كأنها مجرد أدوات غربية. والسبب واضح: هذه الجماعات تريد تعزيز شرعيتها وتقديم نفسها بديلاً «مناسباً». ثقافياً، كان هناك جهد منظم لخلق فجوة عميقة بين المسلمين وغيرهم. لكن الواقع أن العالم يشهد تشكل ثقافة إنسانية كونية، تمتزج فيها القيم الآسيوية والغربية والعربية، قائمة على مبادئ التعايش والتسامح والانفتاح. أوروبا نفسها نجحت عبر قيم المدنية في أن تصبح أكثر تطوراً. أما تصوير الغرب عدواً دائماً للإسلام فليس سوى دعاية مضللة. حتى صعود اليمين الأوروبي – الذي يُستغل لتأجيج المخاوف – يرتبط أساساً بمطالب مشروعة تتعلق بالهجرة الشرعية وحماية الحدود، وهي قضايا تخص السيادة الوطنية أكثر مما تعكس عداءً دينياً. الهدف من تضخيم هذه الظواهر هو بناء سياج ذهني يمنع مجتمعاتنا من تبني القيم العقلانية والعلمية.
أما اقتصادياً، فقد رُوّج لمصطلح «البترودولار» لتلويث صورة التجارة الحرة وتصويرها مؤامرةً. في الحقيقة، ما يسمى «البترودولار» ليس إلا تعبيراً عن الشراكة التجارية الطبيعية بين الخليج والعالم. هذه المنطقة، بموقعها الاستراتيجي وثرواتها، عمود أساسي في الاقتصاد العالمي. وعندما زار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخليج، أعيدت الأسطوانة عبر فرقة الكورس نفسها: إنه جاء فقط ليحشو جيوبه. بينما الواقع أنه جاء برفقة كبار رجال الأعمال الأميركيين، وعُقدت صفقات ضخمة ستلعب دوراً مهماً في تشكيل المستقبل.
سياسياً وثقافياً واقتصادياً، ستستمر هذه الحملات المسمومة. لكن المهم أن نفهم دوافعها وجذورها حتى لا ننخدع بها. آلاف الطلاب الخليجيين (مثل الطلاب الصينيين والهنود) يدرسون في الجامعات الغربية، خصوصاً الأميركية التي لا تزال الأبرز عالمياً؛ وهو ما يعزز التقارب الثقافي والإنساني. إنهم يتلقون العلم من منابعه الأساسية. اقتصادياً، ستبقى شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية لاعباً محورياً في رسم ملامح المستقبل. وسياسياً، أثبتت العلاقات السعودية – الغربية، سواء مع الغرب وتحديداً باريس، أنها قادرة على إنتاج مشاهد تاريخية، مثل الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية. أليس هذا أفضل من ترديد الدعايات المضللة وتمجيد ثقافة الدم والموت؟
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط