آراء وأقلام

د. جبريل العبيدي يكتب: «الدبلوماسية الأفريقية وفرصة الحل في ليبيا»

الخميس 25 سبتمبر 2025 - 08:21 ص
د. جبريل العبيدي
د. جبريل العبيدي

في سفرة طويلة من روسيا إلى الكونغو، ناقشت المبعوثة الأممية حنا تيتيه أبعاد الأزمة الليبية. فموسكو وبرازافيل تمثلان أهمية لدى طرفَي الأزمة في ليبيا، كونهما متداخلتَيْن في العملية السياسية بوجوه مختلفة تمكنهما من أن يكونا جزءاً من الحل. فالأزمة الليبية تشكل حالة قلق على الصعيد الأفريقي خصوصاً، ولأن ليبيا محاطة بحدود جغرافية طويلة مع ست دول أفريقية، نشهد إصراراً أفريقياً على إيجاد «حلول أفريقية» لمشاكل القارة.

ورغم أن الاتحاد الأفريقي اعتزل التدخل في الأزمة الليبية بعد رفض وساطته في فبراير (شباط) 2011، ولم يكن جزءاً من الأزمة، كما لم يشرعن التدخل العسكري في ليبيا، فإنه يمكن له أن يكون جزءاً من الحل، ولا يكون مثل بعض المؤسسات العربية التي طلبت ووافقت على التدخل العسكري لحل الأزمة.

وفي الحقيقة أنه تم إبعاد الاتحاد الأفريقي عن المشهد الليبي، وأصبحت الأزمة تحت سيطرة القوى الدولية، مما أدى إلى استمرار الصراع بسبب وجود من يرغب في استثمار استمرار الصراع لجني مكاسب اقتصادية وأخرى جيوسياسية وخلق مساحة من «الفوضى» الخلاقة.

إبعاد دور الاتحاد الأفريقي ظهر واضحاً في الحضور الخافت له ولجهود وساطته، مكتفياً بالقلق من الصراع المسلح في ليبيا، حيث طالب بالمصالحة السياسية بين الأطراف من دون تقديم مشروع متكامل للحل. مع العلم أنه كانت الخطة الأفريقية السابقة في عام 2011 تتضمن وعود حماية الأجانب المهاجرين والعمال الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل، وأن يتولى مراقبون دوليون الإشراف على التزام الأطراف بوقف إطلاق النار.

واقع الحال اليوم أن أفريقيا المثقلة بالهموم والمشاكل والحروب وحتى المجاعة، تنشغل بليبيا وهمومها أيضاً، وتخصص وقتاً لها، كيف لا وليبيا بلد مؤسس للاتحاد الأفريقي، الذي ولد في سرت الليبية في تاريخ انتقاه القذافي بهوس الأرقام والتواريخ وهو 9/9/99.

الاتحاد الأفريقي الذي انطلق في بداياته حابياً، ها هو اليوم يركض ويقفز بخطوات ثابتة، ومنها مشروع جواز السفر الموحد لكل الأفارقة، مما يجعل من الاتحاد واقعاً ملموساً رغم العقبات الكثيرة. وبالتالي فإن التعويل على الحل الأفريقي في ليبيا في اعتقادي خطوة صائبة، بعد أن تنازعت الأزمة الليبية أطراف دولية، أجنبية بعيدة عن أفريقيا، ونقلت صراعاتها إلى وعلى ليبيا، كالصراع الإيطالي - الفرنسي، ومحاولات توطين جماعات الإسلام السياسي في ليبيا، الأمر الذي لا تجده في خريطة الاتحاد الأفريقي، الذي لا يتبنى فكرة استمرار الفوضى، والدفع بالمزيد من الحطب في النيران الليبية.

القبول بالحل الأفريقي، يتمتع بأرضية مشتركة اليوم في ليبيا، على العكس مما حدث سابقاً في عام 2011، حيث كان وهج وزخم «الثورة والثوار» قد طغى على العقل الجمعي، وجعل القبول بأي حل أو خريطة طريق أتت من داخل الدبلوماسية الأفريقية مرفوضاً لتشبع الشارع الليبي بالربط بين القذافي وأي تحرك للقادة الأفارقة حتى ولو كان فيه إنقاذ ليبيا.

الموقف الأفريقي منذ بداية الأزمة الليبية كان رافضاً لأي تدخل عسكري خارجي في ليبيا، ولم يعلق عضوية ليبيا في اجتماعاته الرسمية، وبالتالي يبقى الاتحاد الأفريقي بريئاً من إسقاط الدولة الليبية وحالة الفوضى فيها، مما يجعله مؤهلاً للعب دور وشريك سلام وحل.

الموقف الأفريقي اليوم يتضمن دعم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية والخروج الفوري للقوات الأجنبية، فمجلس السلم والأمن الأفريقي يسلط الضوء على «ميثاق المصالحة الليبي» الذي يتبناه الموقف الأفريقي كخريطة حل ومنطلق لتسوية الأزمة الليبية قبل التدخلات الخارجية.

الآن أفريقيا تستعيد دورها مع مبادرة جديدة للبعثة الدولية تهدف إلى إحياء الجهود الأفريقية لتحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا، وبالشراكة مع القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي يمكن أن يكتب لها النجاح، شريطة ألا تختطفها الولايات المتحدة ضمن أوراق أخرى في خصامها مع الجانب الروسي، ولعل هذا ما دفع المبعوثة الدولية حنا تيتيه إلى السفر بين موسكو وبرازافيل طمعاً في الدعم والمشاركة في الحل.

شخصياً أنا متفائل بالدور الأفريقي لأنه يستند إلى قاعدة نظيفة غير ملطخة بدماء الليبيين، حيث كانت أفريقيا تبرأت من الحرب والتدخل العسكري في ليبيا، ولم تشارك في أي أعمال عدائية، وبالتالي تبقى أفريقيا بطهارتها من دماء الليبيين الأنسب للحل والمشاركة في صناعة سلام حقيقي فيها.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط