تتصدر القضية الفلسطينية مجددًا أجندة النقاش في أروقة الأمم المتحدة، وسط تصاعد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، يقابله إصرار أمريكي على الرفض، لتجد واشنطن نفسها في مواجهة مفتوحة مع غالبية المجتمع الدولي، وحتى مع بعض حلفائها التقليديين.
غدًا الثلاثاء، يعتلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابه الأول بولايتِه الثانية، لكنه يدخل هذه القاعة الكبرى وهو على خلاف مع أكثر من نصف الدول الأعضاء حول الحرب في غزة ومستقبل الدولة الفلسطينية.
ووفق شبكة "سي إن إن"، فإن إدارة ترامب تبدو أكثر عزلة من أي وقت مضى، مع دخول الصراع عامه الثالث، وتزايد الاعترافات الدولية بفلسطين.
اليوم الإثنين، استضافت فرنسا والسعودية مؤتمرًا مشتركًا بدعم من 142 دولة عضو، بهدف إحياء حل الدولتين ووضع خارطة طريق للسلام.
ومن المتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف بلاده بدولة فلسطين، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستسهم في عزل حماس وتثبيت مسار التسوية.
وفي المقابل، غابت الولايات المتحدة عن المؤتمر، وكانت واحدة من عشر دول فقط صوتت ضد قرار الجمعية العامة المؤيد لهذا الجهد الدولي، ما يعكس اتساع الفجوة بين واشنطن وبقية الأطراف.
لم يقتصر الدعم على المؤتمر؛ إذ أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا الأحد الماضي اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، وتبعتها البرتغال وبلجيكا، بينما يُتوقع أن تحذو دول أخرى حذوها خلال أيام.
وهذه الموجة المتلاحقة من الاعترافات وضعت إسرائيل وحليفتها الأولى، الولايات المتحدة، في عزلة متزايدة على المسرح الدولي.
ورغم هذه التطورات، لا تلوح أي مؤشرات على تغير في الموقف الأمريكي. فقد أكد ترامب، خلال لقائه الأخير مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية يمثل "إحدى نقاط الخلاف القليلة" بين البلدين.
أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فقد حذر من أن الاعتراف بفلسطين "يقوض المفاوضات" ويعزز مكانة حماس، معتبرًا الخطوة مضرة بآفاق السلام.
لم يقتصر الموقف الأمريكي على التصريحات، بل امتد إلى الإجراءات العملية؛ إذ رفضت إدارة ترامب منح تأشيرات دخول للرئيس محمود عباس وعدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين لحضور اجتماعات الجمعية العامة.
وفرضت سياسة مشددة على معظم أنواع التأشيرات لحاملي جواز السلطة الفلسطينية، ما حال دون مشاركة وفد فلسطيني رفيع المستوى هذا العام.
واضطر الرئيس عباس إلى الاكتفاء بكلمة افتراضية في مؤتمر باريس – الرياض، وهو ما اعتبره دبلوماسيون خسارة كبيرة للحوار المباشر.
وقال السفير الأمريكي المتقاعد جيك واليس: "إذا تحدثت إلى طرف واحد فقط، فلن تصنع السلام"، مشددًا على أن وجود القيادة الفلسطينية على طاولة النقاش أمر لا غنى عنه لأي تسوية.
وعلى الجانب الآخر، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشديد لهجته، معلنًا أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، ومهددًا بمزيد من خطوات الضم في الضفة الغربية.
كما لم تُدن إدارة ترامب الهجوم البري الإسرائيلي الجديد على مدينة غزة، الذي أثار غضبًا عالميًا حتى من عائلات رهائن إسرائيليين لدى حماس.
موقف واشنطن تجدد الخميس الماضي في مجلس الأمن، حين استخدمت حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، رغم تأييد 14 دولة من أصل 15 لصالح القرار.
خطوة عززت صورة الولايات المتحدة كطرف معزول عن الإجماع الدولي.
وبينما يواصل العالم، من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا، الاعتراف بفلسطين، تصر إدارة ترامب على الاصطفاف خلف إسرائيل.
ويبقى السؤال: هل ستدفع الضغوط الدولية واشنطن إلى مراجعة حساباتها، أم تواصل المضي في مسار العزلة، ولو كان الثمن تصدع علاقاتها مع حلفائها الاستراتيجيين؟.