تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الحالية حالة غير مسبوقة من الاستعدادات والتحضيرات السياسية، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر إجراؤها في عام 2026.
وهذه الانتخابات التي يصفها مراقبون بـ"المعركة التي لا يمكن خسارتها"، تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك ملفات السياسة الداخلية والخارجية مع صراع حزبي محتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين، في ظل إدارة يقودها الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى لتكريس هيمنته على المشهد السياسي الأمريكي بعد عودته للبيت الأبيض.
وفي خطوة وُصفت بأنها خروج على الأعراف السياسية المستقرة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه عقد مؤتمر وطني للحزب الجمهوري استعدادًا لانتخابات التجديد النصفي.
ويُعد هذا التحرك سابقة من نوعها، إذ جرت العادة أن تُعقد المؤتمرات الوطنية للأحزاب الأمريكية في سنوات الانتخابات الرئاسية فقط، وليس خلال انتخابات التجديد النصفي.
ترامب أوضح عبر منصته "تروث سوشيال" أن المؤتمر سيكون "على أعلى مستوى"، مشيرًا إلى أنه سيكون حدثًا "ممتعًا ومثمرًا للغاية"، وهو ما يعكس رغبته في استنهاض قواعد الحزب وحشد أنصاره لخوض معركة انتخابية قد تحدد شكل السلطة التشريعية الأمريكية خلال السنوات المقبلة.
ولم يقتصر الأمر على الجمهوريين، إذ كشفت تقارير إعلامية – من بينها تقرير لموقع "أكسيوس" – أن الحزب الديمقراطي يدرس هو الآخر عقد مؤتمر استثنائي قبل انتخابات 2026.
وإذا ما حدث ذلك بالفعل، فسيكون المشهد السياسي الأمريكي أمام سابقة أخرى تؤكد إدراك الحزبين أن معركة الكونغرس المقبلة تتجاوز كونها مجرد انتخابات دورية، لتتحول إلى ساحة حاسمة في تحديد اتجاه السياسات الأمريكية داخليًا وخارجيًا.
ومن أبرز الملفات الشائكة التي تثير جدلًا واسعًا في الشارع الأمريكي مسألة إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، وهي الخطوة التي يسعى كل من الجمهوريين والديمقراطيين لتوظيفها بما يخدم مصالحهم الانتخابية.
فإعادة رسم حدود الدوائر قد يغير ميزان القوى في مجلس النواب بشكل جذري، ويمنح أحد الحزبين أفضلية على حساب الآخر.
وهذا الصراع حول "الجيري ماندرينغ" – أي التلاعب بحدود الدوائر – بات حديث الإعلام والناخبين، خصوصًا أنه قد يحدد مستقبل الأغلبية في الكونغرس، وبالتالي التأثير على قدرة ترامب أو خصومه الديمقراطيين على تمرير أجنداتهم التشريعية.
ووفقًا للتركيبة الحالية، يسيطر الجمهوريون على 53 مقعدًا في مجلس الشيوخ مقابل 47 للديمقراطيين، بينما يمتلكون أغلبية طفيفة في مجلس النواب بـ 219 مقعدًا مقابل 213 للديمقراطيين.
وهذه الأرقام تجعل المعركة المقبلة في غاية الأهمية، إذ أن خسارة الحزب الجمهوري للأغلبية، حتى ولو بفارق ضئيل، قد تعرقل بشدة تنفيذ السياسات المثيرة للجدل التي يتبناها ترامب، خاصة في ملفات الهجرة، الضرائب، والسياسة الخارجية.
تأتي هذه الانتخابات في وقت يشهد فيه الداخل الأمريكي تحديات متصاعدة، أبرزها التوترات الاقتصادية الناجمة عن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى قضايا الرعاية الصحية والإصلاح التعليمي التي تمثل أولويات للناخب الأمريكي.
ويُدرك الجمهوريون والديمقراطيون أن الفوز في معركة الكونغرس سيكون مفتاح السيطرة على هذه الملفات.
كما يواجه ترامب ضغوطًا متزايدة من جانب المعارضة التي تتهمه بتبني سياسات مثيرة للانقسام داخل المجتمع الأمريكي، وهو ما يجعل انتخابات التجديد النصفي اختبارًا حقيقيًا لشعبيته وقدرته على قيادة البلاد في مواجهة هذه الانقسامات.
ولا تقتصر أهمية الانتخابات المقبلة على الداخل الأمريكي فقط، بل تمتد آثارها إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فخسارة الأغلبية الجمهورية في الكونغرس قد تحد من قدرة ترامب على مواصلة نهجه المتشدد في ملفات مثل العلاقات مع الصين، الصراع في أوكرانيا، والسياسات المتعلقة بالشرق الأوسط.
كما أن الكونغرس القادم سيكون له دور بارز في تحديد حجم المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لحلفاء واشنطن، فضلًا عن صياغة السياسات المتعلقة بالتجارة العالمية، ما يجعل أنظار العواصم العالمية متجهة إلى ما ستسفر عنه نتائج صناديق الاقتراع.
إلى جانب التحركات الحزبية، تتوقع وسائل الإعلام الأمريكية أن تشهد الفترة المقبلة واحدة من أعنف الحملات الدعائية في تاريخ الانتخابات النصفية.
فالحزب الجمهوري يسعى لاستغلال منصة ترامب الرقمية "تروث سوشيال" في حشد مؤيديه، بينما يعتمد الديمقراطيون على شبكات الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة المد الجمهوري.
كما تشير التوقعات إلى أن القضايا الاجتماعية مثل حقوق الإجهاض، المساواة العرقية، وسياسات الهجرة ستكون حاضرة بقوة في الحملات الانتخابية، إذ يسعى كل حزب إلى كسب تأييد الفئات المؤثرة من الناخبين، وعلى رأسها الشباب والأقليات.
المراقبون يؤكدون أن معركة انتخابات الكونغرس لعام 2026 قد تعيد رسم الخريطة السياسية للولايات المتحدة لسنوات طويلة قادمة. فالجمهوريون يطمحون إلى تعزيز قبضتهم على مجلسي الشيوخ والنواب، ما يمنح ترامب قوة إضافية لمواصلة برامجه.
وفي المقابل، يرى الديمقراطيون أن استعادة الأغلبية ستُمثل فرصة لإعادة التوازن السياسي، ووضع حد للسياسات المثيرة للجدل التي يتبناها ترامب.
بين مؤتمرات استثنائية، وصراع محتدم على الدوائر الانتخابية، واستراتيجيات إعلامية معقدة، تدخل الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة جديدة من الاستقطاب السياسي.
انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لم تعد مجرد استحقاق انتخابي روتيني، بل تحولت إلى معركة وجودية بين الحزبين الكبيرين، معركة ستحدد ليس فقط موازين القوى داخل واشنطن، وإنما مستقبل الدور الأمريكي على الساحة الدولية.
ولعل ما يجعل هذه الانتخابات استثنائية هو إدراك الجميع – من سياسيين ومحللين وناخبين – أن الخسارة فيها قد تكون أثقل من أن تُحتمل، وأن الكونغرس المقبل سيكون مفتاح الطريق إلى البيت الأبيض في 2028