مهلة أخيرة لطهران.. شروط أوروبية صارمة وإلا عودة العقوبات
الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 03:35 م
جهاد جميل
بعد محادثات حاسمة أجرتها دول الترويكا الأوروبية (المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا) مع إيران حول برنامجها النووي، تصاعدت الدعوات الأوروبية لضمان التزام طهران بشروط محددة، في حين تقول الدول الأوروبية إن “الكرة ما تزال في ملعب إيران”. في هذا التقرير نُحلّل موقف الترويكا، الرد الإيراني، والعقوبات المحتملة في حال عدم التوافق، بالإضافة إلى تداعيات الاتفاقات الدولية والدبلوماسية الراهنة؛ لتقديم صورة شاملة عن مسار الملف النووي الإيراني في اللحظة الراهنة.
يعود الاتفاق النووي لعام 2015 إلى تفاهم دولي بين إيران والقوى الكبرى، تم فيه تخفيف عقوبات دولية على إيران مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية. لكن الاتفاق شهد تراجعات بعد أن قررت الولايات المتحدة الانسحاب منه في العام 2018، وأعادت فرض عقوبات مشدّدة على طهران. منذ ذلك الحين، تفاقمت التوترات، خاصة بعد ضربات إسرائيلية وأمريكية على منشآت إيرانية.
آلية الزناد (Snapback)، التي تُتيح إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، تم تفعيلها جزئياً من قبل الترويكا الأوروبية كردّ فعل على ما تصفه بعدم امتثال إيران الكامل للشروط الموقعة. وهنا يظهر التنازع على مدى شرعية هذه الخطوة وكيفية ترجمة التهديد إلى فعل فعلي.
2. الترويكا الأوروبية: الموقف الحالي والشروط
المفاوضات الهاتفية: قامت المملكة المتحدة، فرنسا، وألمانيا بإجراء اتصالات هاتفية مع إيران لمناقشة إمكانية تمديد مؤقت لآلية الزناد، شريطة أن تستوفي إيران شروطاً معيّنة، ما زال الطرح قائماً إذا ثبت أن طهران لم تتخذ الخطوات الكافية.
المهلة الأوروبية: حُدّدت مهلة مدتها 30 يوماً لإعادة فرض العقوبات حال العدم التوصل إلى اتفاق مقبول أو ردّ إيراني يُظهِر التزاماً.
الشروط المطلوبة: الشروط التي تضعها القوى الأوروبية تتركز حول استئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي نفس الوقت استئناف المحادثات النووية، وإظهار خطوات ملموسة تُرضي المراقبين الدوليين.
3. الرد الإيراني: مواقف وتبريرات
الدبلوماسية أولاً: أكدت طهران أنها لم تُرفض الدبلوماسية، بل تستغِلها لتحقيق مصالح الأمة الإيرانية، والعمل بما يخدمها على المدى الطويل.
حسن النيّة والمطلب المتبادل: تقول إيران إن نهجها الإيجابي يجب أن يُقابَل بخطوات مشابهة من الدول الأوروبية، أي أن يكون هناك تعاون متبادل.
برنامج الصواريخ: في الوقت نفسه، أبدت طهران رفضها القاطع لانتقادات الغرب لبرنامجها الصاروخي، واصفةً إياها “هراء”، مشددةً أن الصواريخ تشكل جزءًا من “ردع دفاعي” ضروري في وجه ما تُسمّيه تهديدات خارجية.
4. التداعيات المحتملة: عقوبات وإعادة فرضها
إذا لم تستجب إيران للشروط الأوروبية، فإن إعادة فرض العقوبات الدولية – لا سيما تلك الصادرة عن الأمم المتحدة – واردة.
هذا الأمر من شأنه أن يزيد من الضغوط على الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني فعلاً من تبعات عقوبات سابقة.
سياسياً، قد تُعزّز هذه العقوبات عزلة طهران على الساحة الدولية، وتفاقم التوتر مع الدول التي ترى في برنامج إيران النووي تهديداً لموازين القوى الإقليمية.
5. التحركات الإيرانية المؤخّرة والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
مؤخراً، وقّعت إيران إطار تعاون جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد تعليق تعاونها إثر الضربات التي استهدفت منشآتها النووية في يونيو الماضي.
هذا التعاون قد يُعتبر بمثابة إشارة إيجابية، لكنه لا يزال موضوع تقييم دقيق من قبل الدول الأوروبية، التي تعتبر أن الخطوات لاتزال غير كافية حتى الآن.
6. التوترات العسكرية والخطاب السياسي
الانتقادات الأمريكية، مثل تلك التي صدرت من سيناتور ماركو روبيو، تُعبّر عن مخاوف من أن برنامج الصواريخ الإيراني يمكن أن يُستخدم لتهديد دول أخرى.
طهران بدورها تؤكّد أن برنامجها الصاروخي له دور دفاعي، وهو جزء من سيادتها وأمنها الوطني، وترى أن الانتقادات الغربية تُغفل هذا الجانب.
التصعيد العسكري، من الضربات الجوية إلى استخدام الطائرات المسيرة، يضيّق هامش التفاوض، ويُضيف عنصراً من الخطر بأن أي خطأ في التقدير قد يؤدي إلى مواجهات مفتوحة.
7. السيناريوهات المحتملة لمسار الملف النووي
سيناريو التوافق: إذا استجابت إيران للشروط الأوروبية، وامتثلت للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد يتم تجميد آلية الزناد، وربما إحياء مفاوضات أوسع مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى.
سيناريو العقوبات المتشددة: في حال المماطلة أو رفض الشروط، فستُفرض عقوبات الأمم المتحدة الشهر المقبل، ما سيؤثر على الاقتصاد، القطاع النووي، وربما على الوضع الداخلي في إيران.
سيناريو المواجهة المحتملة: في ظل الخطاب المتصاعد، والردود التي لا تغيب عنها عناصر التصعيد، قد يصل الأمر إلى مواجهة دبلوماسية، إعلامية، وربما عسكرية ضمن حدود النزاعات الإقليمية.
8. ما الذي ينتظره العالم؟
جمهورياً، الدول الأوروبية تراقب خطوات طهران بدقة، وحاجتها الآن إلى دلائل ملموسة للالتزام، لا مجرد تصريحات.
دولياً، المؤسسات مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية تلعب دور المراقب، لكنها قد تُجبر على إصدار تقارير أقل إيجابية في حال الحصول على معلومات تبين عدم الامتثال.
إقليمياً، الدول المجاورة، خصوصاً في الشرق الأوسط، تراقب بحذر؛ فاستقرار الأوضاع النووية الإيرانية يؤثر بصورة مباشرة على التوازن الأمني في المنطقة.
موقف الترويكا الأوروبية اليوم يبدو واضحاً: القوانين الدولية، الاتفاقات الموقعة، والعلاقات الدبلوماسية تُشير إلى أن الكرة في ملعب إيران. الخيار الآن أمام طهران بين الاستجابة بشروط تُرضي المجتمع الدولي، أو مواجهة عقوبات قد تُعمّق من أزمتها على جميع الأصعدة. مع ذلك، لا تزال إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي قائمة إذا ما رصد العالم خطوات إيرانية جدية تظهر نية التعاون والصراحة في التفاعل مع المطالب الدولية.