في الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع في غزة تصعيدًا خطيرًا، تُواصل «الدول الأوروبية» الضغط على إسرائيل من أجل اتخاذ خطوات لتهدئة الوضع. ومع ذلك، يُصر الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، على موقفه الثابت في دعم حكومة «بنيامين نتنياهو»، مُتجاهلًا الضغوط الأوروبية. ترامب، الذي يرفض التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية، يعتبر الجهود الأوروبية لعزل الحكومة الإسرائيلية مجرد «خطوات رمزية» لا تُؤثر في السياسة الأمريكية.
هذا الموقف يعكس استمرارية الدعم الذي تُقدّمه واشنطن لتل أبيب في ظل الحرب المُستمرة في «قطاع غزة»، ما يعكس التباين الواضح في التعامل مع الأزمة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وفي هذا الصدد، كشفت مصادر مطلعة لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية، اليوم الخميس، أن الرئيس «ترامب» لن ينضم إلى الحلفاء الأوروبيين في تصعيد الضغط على «إسرائيل» بسبب حربها على غزة، إذ يعتبر الجهود الأوروبية لعزل الحكومة الإسرائيلية مجرد خطوات رمزية لا تستحق القلق، بينما يُواصل دعمه الثابت لحكومة بنيامين نتنياهو.
وأعلن قادة الاتحاد الأوروبي، أمس الأربعاء، خطة شاملة لفرض تعريفات جمركية جديدة على صادرات إسرائيلية بقيمة (5.8 مليار يورو) إلى الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عقوبات مستهدفة على عضوين رئيسيين في حكومة نتنياهو.
وتأتي هذه الخطوات في إطار جهود أوروبية مُتصاعدة لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها على غزة، لكن التعريفات الإضافية تحتاج موافقة الدول الأعضاء قبل تطبيقها.
كما تستعد «فرنسا وخمس دول أخرى على الأقل» لإعلان دعمها الرسمي لحل الدولتين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطوة وصفها مسؤول فرنسي بأنها ستخلق «ضغطًا دوليًا» من خلال إظهار التزام دولي واسع، رغم اعترافه بأن تأثيرها على إنهاء الحرب قد يكون محدودًا.
وقال أحد المصادر المطلعة على تفكير الرئيس الأمريكي، لـ«بوليتيكو»، إن ترامب -الذي يزور المملكة المتحدة حاليًا- لا يهتم كثيرًا بالجهود الأوروبية لعزل الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف المصدر، أن ترامب «لا يتفق بالضرورة مع هذه الخطوات، لكنه أيضًا لن يفقد النوم بسبب ما تفعله أوروبا، خاصة عندما تكون رمزية في معظمها».
وتُوضح الصحيفة أن هذا الموقف يعكس استمرار الفجوة بين البيت الأبيض والحلفاء الأوروبيين حول حرب إسرائيل في غزة، إذ لم يدحض مسؤول في البيت الأبيض توصيف عدم اكتراث ترامب بالتحركات الأوروبية الأخيرة.
رغم إحباطات ترامب من نتنياهو بعد الهجوم الذي استهدف مسؤولين من «حماس» في قطر الأسبوع الماضي، فإنه يرفض الانضمام إلى الإجماع المتنامي بين قادة العالم الديمقراطي الداعم للدولة الفلسطينية أو تأييد تقرير الأمم المتحدة الجديد الذي خلص إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وأشار مسؤول البيت الأبيض إلى تصريحات ترامب السابقة في الصيف، عندما وصف الاعتراف الرسمي بفلسطين من قِبل قادة فرنسا وبريطانيا وكندا بأنه «مكافأة لحماس»، مُؤكّدًا موقفه: «لا أعتقد أنه ينبغي مكافأتهم».
تُجسّد إدارة ترامب دعمها الكامل لموقف حكومة نتنياهو من خلال خطوات عملية واضحة، إذ رفضت وزارة الخارجية منح تأشيرات دخول لأكثر من (80) ممثلًا فلسطينيًا، بمن فيهم رئيس السُلطة الفلسطينية «محمود عباس»، الذين سعوا للسفر إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبرر البيت الأبيض هذا القرار بأن المسؤولين الفلسطينيين قوضوا مفاوضات غزة من خلال اللجوء إلى المحاكم الجنائية الدولية التي اتهمت إسرائيل بجرائم حرب والسعي للحصول على اعتراف أممي.
وعندما سُئل ترامب، يوم الإثنين الماضي، قبل مغادرته إلى لندن عن أحدث الهجمات الإسرائيلية على غزة، وجه تهديدًا مباشرًا إلى حماس قائلًا: «أسمع أن حماس تُحاول استخدام تكتيك الدروع البشرية القديم.. وإذا فعلوا ذلك، فسيُواجهون مشكلات جدية».
فيما انتقد كبار المسؤولين في إدارة ترامب بحدة الجهود الأوروبية لدعم الدولة الفلسطينية، إذ قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل «مايك هاكابي» في القدس المحتلة، يوم الثلاثاء الماضي، إن «الدول الأوروبية التي تدفع للاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية قد دمرت المفاوضات».
ووصف وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، يوم الأحد، الدفع للاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه «رمزي إلى حد كبير»، لكنه حذّر من «التداعيات الحقيقية المتمثلة في جعل تحقيق السلام أكثر صعوبة».
في النهاية، يبقى موقف «ترامب» تجاه الأزمة في غزة ثابتًا، حيث يستمر في دعم حكومة نتنياهو رغم الضغوط الأوروبية المُتزايدة. وعلى الرغم من محاولات أوروبا لتغيير الموقف الإسرائيلي، يرى الرئيس ترامب أن هذه الضغوط لا تعدو كونها إجراءات رمزية لن تُؤثر على السياسة الأمريكية. يعكس هذا الموقف التباين بين السياسات الأمريكية والأوروبية في التعامل مع الصراع في غزة، مما يُعقّد الجهود الدولية للتوصل إلى حلول مشتركة. ويبقى السؤال الأهم حول قدرة هذه السياسات على التأثير في موازين القوى في المنطقة بالمستقبل.