تعاني الصناعات الدفاعية الإسرائيلية موجة مقاطعة متصاعدة على المستويين الدولي والإقليمي، إذ تم استبعاد شركاتها من معرض دبي للطيران المزمع عقده في نوفمبر المقبل، بعد تحذيرات رسمية من الإمارات بسبب سياسات الضم في الضفة الغربية واستمرار العمليات العسكرية في غزة.
ويعد هذا الاستبعاد امتدادًا لتجربة مشابهة حدثت في معرض دبي عام 2023، عندما بدت منصات الشركات الإسرائيلية خاوية إثر اندلاع الحرب.
لكن المقاطعة الحالية تظهر أبعادًا أشمل، فهي لا تقتصر على الجانب الرمزي، بل تمثل خسارة حقيقية في حضور تل أبيب في واحد من أكبر أسواق الطيران والدفاع في العالم.
ومنذ توقيع اتفاقيات أبراهام عام 2020، كان للشركات الإسرائيلية تواجد علني وفعال في المعارض الإماراتية، ما يجعل المقاطعة الحالية انعطافًا ملموسًا في العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الطرفين.
لم تقتصر الضغوط على منطقة الخليج، بل امتدت إلى أوروبا، حيث أغلقت السلطات الفرنسية أربعة أجنحة لشركات إسرائيلية في اليوم الأول من معرض باريس الجوي 2025، بعد رفض هذه الشركات الامتثال لقرار يمنع عرض الأسلحة الهجومية.
وقد أثار هذا القرار غضب إسرائيل، التي رفضت الالتزام به واعتبرته استهدافًا لمكانتها الدفاعية. وأدى الموقف إلى قيام منظمي المعرض بإنشاء حاجز أسود لعزل الأجنحة الإسرائيلية عن الزوار، في خطوة رمزية تعكس حجم التوترات السياسية التي تؤثر مباشرة على قطاع الصناعات العسكرية.
تشكل الصناعات الدفاعية دعامة أساسية للاقتصاد الإسرائيلي، إذ توفر مليارات الدولارات من العائدات السنوية وتشكل أداة نفوذ دبلوماسي مهمة.
لكن سلسلة المقاطعات وإلغاء العقود الدولية تحمل تداعيات مزدوجة:
اقتصاديًا: خسائر مالية ضخمة نتيجة إلغاء العقود الطويلة الأمد وتقليص فرص الشراكات الدولية.
استراتيجيًا: تآكل صورة السلاح الإسرائيلي المجرب ميدانيًا، وهو عنصر أساسي في تسويق منتجات الصناعات الدفاعية على المستوى العالمي.
تواجه شركات مثل رافائيل وإلبيت وصناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية ضغوطًا غير مسبوقة، إذ يزداد أثر هذه التحديات مع استمرار الحرب وتصاعد الانتقادات الحقوقية والسياسية.
يرى مراسل "هآرتس" المتخصص في الصناعات العسكرية عوديد يارون أن العزلة الاقتصادية لإسرائيل مرتبطة بشكل مباشر بالعزلة السياسية، فكلما ازدادت الانتقادات الدولية واتهامات الانتهاكات، زادت احتمالات المقاطعة وقلّت فرص التعاون التجاري.
وأوضح يارون أن إسرائيل تمر بفترة مفصلية، تتحول فيها من قوة عسكرية عالمية تعتمد على تصدير السلاح كرافعة اقتصادية ودبلوماسية، إلى دولة تواجه تحديات عميقة على المستوى الدولي.
فخسائر العقود والمقاطعات لا تمس الجانب المالي فحسب، بل تؤثر على مكانة إسرائيل الاستراتيجية وتضعف دورها كأحد أكبر مزودي الأسلحة عالميًا.
كما سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على تداعيات إلغاء العقود العسكرية مع إسبانيا واستبعاد الشركات الإسرائيلية من المعارض الدولية، مؤكدين أن هذه الإجراءات الأوروبية تشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن إسرائيل القومي ولقدرتها على الحفاظ على نفوذها في أسواق الدفاع العالمية.
يبدو أن تل أبيب تواجه اليوم تحديات متشابكة بين الحرب الميدانية والضغوط السياسية والاقتصادية، مما يجعل مستقبل صناعاتها الدفاعية في مواجهة اختبار غير مسبوق.