آراء وأقلام

عثمان ميرغني يكتب: «سد النهضة» والصراع المفتوح على كل الاحتمالات

الخميس 11 سبتمبر 2025 - 07:35 ص
عثمان ميرغني
عثمان ميرغني

قبيل التدشين الرسمي لـ«سد النهضة»، أول من أمس، جدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تصريحاته السابقة المثيرة للجدل بشأن حاجة بلاده للوصول إلى البحر، وأنها عازمة على استعادة وجودها في البحر الأحمر «وتصحيح أخطاء الماضي».

هل هناك علاقة بين الأمرين؟

الكثير من المؤشرات توضح أن حكومة آبي أحمد لا تنظر للسد على أنه مجرد مشروع مائي لإنتاج الطاقة الكهربائية، بل خطوة لتدشين إثيوبيا قوةً إقليميةً، لها طموحات يمكن أن تحققها أو تنتزعها بشكل أحادي. فاللهجة التي تحدث بها آبي أحمد ومسؤولون إثيوبيون آخرون عن الحقوق المائية والتاريخية، سواء في النيل الأزرق أو البحر الأحمر، توحي بذلك، وتقدم دليلاً على رغبة أديس أبابا في إعادة تشكيل النظام الإقليمي والقيام بخطوات لفرض ما تراه «حقوقاً تاريخية» أو «مسألة وجودية».

عشية افتتاح السد رسمياً وصف آبي أحمد في مقابلة تلفزيونية الخطوة بأنها تمثل بداية جديدة في مسار إثيوبيا الجيوسياسي. ومن هذا المنظور تحدث عن أن ما تحقق في السد ليس سوى بداية، وأن بلاده قادرة على بناء المزيد من السدود وتخطط للمزيد من المشاريع لتوليد الطاقة، مشدداً على أن ذلك ليس جريمة، بل حق مشروع لإثيوبيا. وانطلق بعد ذلك وفي المقابلة ذاتها ليتحدث عن تصميم بلاده على استعادة وجودها على البحر الأحمر الذي فقدته بعد استقلال إريتريا، وعدَّ فقدان ميناء عصب «خطأ» أُرتكب قبل ثلاثة عقود و«سيصحح غداً».

هذه التصريحات وغيرها توضح العلاقة بين «سد النهضة» والطموحات الإقليمية لحكومة آبي أحمد التي باتت ترى أنها يمكن أن تحقق خططها بغض النظر عن أي ضغوط إقليمية أو دولية، وأنها باتت قادرة على الانتقال من موقف دفاعي في مواجهة الحروب الداخلية والصراعات الإثنية والفقر، إلى موقف هجومي تتبنى فيه تأجيج الخطاب القومي لترسيخ ما تراه موقعها كقوة صاعدة.

الخطورة أن هذا التوجه سيؤجج حتماً أجواء التصعيد مع السودان ومصر كدول تتأثر مباشرة بما يحدث على النيل الأزرق الذي يضخ نحو 80 في المائة من مياه النيل، أو مع جيران آخرين مثل إريتريا والصومال وجيبوتي تتأثر مباشرة بالخطاب الإثيوبي المتشدد عن الحصول على منفذ بحري ولو بالقوة.

إثيوبيا قد تتحدث عن التعاون والمنافع المشتركة، لكن سياساتها التي تتبعها لا تحقق هذا الأمر، بل تؤجج الأجواء وتزيد من شكوك جيرانها إزاء تصرفاتها المستقبلية. ففي موضوع «سد النهضة» اختارت أديس أبابا السير في طريق أحادي ومضت في تنفيذ مشروع السد من دون أن تراعي موقفي مصر والسودان والضمانات المتعلقة بالملء والتشغيل والرقابة الفنية، ولم تتعاون بما يكفي لإنجاح الوساطات الإقليمية أو الدولية للوصول إلى حلول وسط أو اتفاق قانوني ملزم.

اليوم وبعد أن أصبح السد أمراً واقعاً، هناك طريقان لا ثالث لهما بالنسبة للمسار الذي ستتخذه الأمور. الأول هو طريق التعاون والتمسك بالتفاوض طريقاً لحل الأمور والتوصل إلى حلول بالتراضي، بما يؤدي إلى اتفاق ملزم يأخذ في الاعتبار القوانين الدولية المنظمة للاستخدام بين الدول المتشاركة في الأنهار، ويراعي مصالح وحقوق الأطراف المعنية، ويثبت الإجراءات والضمانات المطلوبة في ما يتعلق بالتشغيل والرقابة الفنية والمشاركة في البيانات والمعلومات. فإذا تحقق ذلك سوف تشرع الأبواب أمام تكامل اقتصادي يجعل السد مصدر منفعة جماعية، ويمنع تحوله إلى مصدر صراع مفتوح على كل الاحتمالات والمخاطر.

أما الطريق الثاني فهو أن تشعر إثيوبيا بأنها أصبحت قادرة على فرض طموحاتها الإقليمية وتحقيق ما تريده بأقل الخسائر، أو من دون تنازلات. هذا السيناريو يعني أن الأمور قد تتجه نحو توترات إقليمية، واحتمال مواجهات عسكرية، حيث تتقاطع الخلافات الإثيوبية مع مصر والسودان حول مياه النيل، مع التوترات الإثيوبية مع إريتريا والصومال وجيبوتي بشأن رغبة أديس أبابا المعلنة في الوصول إلى منفذ مائي بكل الطرق بما فيها استخدام القوة. وفي هذه الحالة قد تجد إثيوبيا نفسها في مواجهة تحالف المتضررين من سياساتها، ما يعني نشوب نزاع إقليمي واسع، قابل للتطور إلى مواجهات عسكرية.

«سد النهضة» ليس مجرد مشروع كهرومائي، بل نقطة تحول في صراع النفوذ والموارد في المنطقة. فإثيوبيا تراه رمزاً لطموحها الصاعد، وتأكيداً لقوة جديدة مدعومة بالخطاب القومي الذي تتبناه الحكومة. ومع مطالبها الأخيرة بالوصول إلى البحر، يبدو واضحاً أنها مستعدة لتحدي الأوضاع القائمة، وانتزاع ما تراه «حقوقاً مشروعة لها» بغض النظر عن المخاطر. الخطر أن هذه النزعة، إذا لم توازن بالدبلوماسية المرنة، واستخدام المفاوضات سبيلاً وحيداً لحل الخلافات بالتراضي، فإنها قد تقود إلى إشعال صراعات تفجّر المنطقة التي تعاني أصلاً من اضطرابات مزمنة، وتتربص بها قوى عديدة مستعدة لتأجيج وتوظيف صراعاتها.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط