المغرب العربي

أسطول الصمود المغاربي.. مبادرة بحرية لكسر الحصار عن غزة

الخميس 28 أغسطس 2025 - 01:33 م
د. رائد العزاوي
الأمصار

في لحظة مفصلية من التفاعل الشعبي العربي مع القضية الفلسطينية، تستعد الشعوب المغاربية لإطلاق واحدة من أكبر المبادرات البحرية التضامنية في التاريخ الحديث: "أسطول الصمود المغاربي"، الذي يهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا، ويحمل معه رسائل إنسانية، سياسية، ورمزية تتجاوز حدود البحر الأبيض المتوسط.

أرابسك | "أسطول الصمود المغاربي يدعو للمشاركة في كسر الحصار على غ.زة عبر  البحر

 خلفية المبادرة: من البرّ إلى البحر

بدأت شرارة هذه المبادرة في يونيو 2025، عندما انطلقت "قافلة الصمود البرية" من تونس نحو غزة، مرورًا بالأراضي الليبية. 

شارك في القافلة آلاف الناشطين من مختلف دول المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا، وليبيا)، في محاولة رمزية لإنهاء الحصار البري على القطاع.
لكن الرحلة البرية توقفت قسرًا في مدينة سرت الليبية لأسباب أمنية وتنظيمية، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول جدوى المسارات البرية في ظل الانقسامات والصراعات المحلية.

تلك التجربة، على الرغم من تعثرها، كانت الشرارة الأولى لإطلاق مشروع بحري بديل، أكثر قدرة على الالتفاف على الحواجز الجغرافية والسياسية. في 16 يوليو/تموز 2025، أعلنت "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" رسميًا عن ميلاد "أسطول الصمود المغاربي" خلال مؤتمر صحفي في العاصمة تونس.

 الأهداف الإنسانية والسياسية للمبادرة

يحمل الأسطول في جوهره مجموعة من الأهداف المتعددة، التي تتشابك بين البعد الإنساني والرمزي والاستراتيجي:

كسر الحصار البحري المفروض على غزة منذ عام 2007، عبر خلق ممر بحري تضامني يربط بين الضفة الجنوبية للمتوسط والقطاع المحاصر.

تسليط الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، في ظل تصاعد الحصار والتجويع ودمار البنى التحتية، خاصة بعد التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة.

فضح الصمت الدولي تجاه ما تعتبره منظمات حقوقية جرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين.

تجسيد التلاحم المغاربي الشعبي مع الشعب الفلسطيني، في وقت تتباين فيه مواقف الأنظمة الرسمية.

التنسيق مع مبادرات دولية ضمن إطار "أسطول الصمود العالمي"، الذي يضم فعاليات أوروبية وآسيوية وشرق أوسطية.

أسطول الصمود المغاربي ينطلق قريبا لكسر حصار غزة | وكالة شمس نيوز الإخبارية  - Shms News || آخر أخبار فلسطين

 التنظيم والتحضيرات: جهد شعبي مدني منظم

منذ إعلان المبادرة، انطلقت جهود تنظيمية مكثفة ضمت عشرات الهيئات والمبادرات من مختلف الدول المغاربية. 

لعبت "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" دورًا محوريًا، بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي استضاف سلسلة من الاجتماعات التحضيرية في مقرّه بتونس العاصمة.

من الجانب المغربي، أعلنت كل من "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" و"حزب التقدم والاشتراكية"دعمها للمبادرة، وفتحت باب التسجيل للمشاركين عبر منصات إلكترونية ومكاتب تنسيق ميداني. كما أبدت جهات في ليبيا، الجزائر، وموريتانيا استعدادها لتقديم الدعم اللوجستي والتنظيمي، بما في ذلك تجهيز القوارب والمرافقة الإعلامية.

وقد تم فتح باب التسجيل عبر منصة إلكترونية مخصصة، مع تحديد مهلة تمتد حتى 29 يوليو 2025. وشملت عملية التسجيل معايير دقيقة، أبرزها: القدرة الجسدية والنفسية، الالتزام بالسلمية، التأثير الإعلامي، والخضوع لتدريبات ميدانية مسبقة.

أما على صعيد التمويل، فأُطلقت حملة تبرعات واسعة في الفترة بين 22 أغسطس و4 سبتمبر، بشفافية كاملة، لتغطية تكاليف السفن، المعدات الطبية، المؤن، والوسائل التقنية الخاصة بالبث والتوثيق.

أسطول الصمود المغاربي يواصل استعداداته للإبحار نحو غزة

الأسطول: السفن، الجدول الزمني، ومسار الرحلة

يتكون "أسطول الصمود المغاربي" من عشرات السفن والقوارب، أغلبها صُنع محلي مغاربي، وتعد هذه المبادرة أكبر تحرّك بحري شعبي تشهده المنطقة في تاريخها الحديث.
من المقرر أن تنطلق الرحلة في 4 سبتمبر 2025 من ميناء تونس، حيث سيلتحم الأسطول المغاربي مع قوافل بحرية أخرى قادمة من:

إسبانيا (انطلقت من فالنسيا في 31 أغسطس)

جنوب شرق آسيا ضمن مبادرة "صمود نوسانتارا"

دول أخرى في أوروبا والشرق الأوسط

المسار سيأخذ الأسطول إلى عرض المتوسط، مرورًا بمياه دولية، وصولًا إلى سواحل غزة، أو أقرب نقطة يمكن بلوغها، وفقًا للتطورات الأمنية والسياسية.

Radio Tunisie | Sfax - Radio Diwan FM - الإعلان عن موعد انطلاق "أسطول  الصمود المغاربي"

التحديات المحتملة: بين التهديدات والردع الشعبي

لا تخلو الرحلة من تحديات جسيمة، أبرزها:

التجارب السابقة، مثل اعتراض سفن "Freedom Flotilla" من قبل البحرية الإسرائيلية.

حادثة استهداف سفينة "Conscience" بطائرات مسيّرة، مما يثير مخاوف من اعتداءات مباشرة أو اعتراض مسلح.

حالة الصمت الدولي إزاء الاعتداءات على السفن المدنية المتجهة إلى غزة، وسط غياب ردود فعل رادعة من المؤسسات الأممية.

رغم ذلك، فإن التحضيرات تسير بشكل مدروس، مع تدريب المشاركين على كيفية التصدي السلمي لأي محاولات للقرصنة أو الإيقاف القسري، دون الانجرار إلى أي استفزاز أو عنف مضاد.

أسطول الصمود المغاربي يواصل استعداداته للإبحار نحو غزة

رمزية الأسطول: أكثر من مجرد قافلة

تكتسب المبادرة بعدها الرمزي من كونها:

تعبيرًا شعبيًا صافيًا من دون وساطات رسمية، يمثل صوتًا مباشرًا من شعوب المغرب العربي.

وسيلة ضغط إعلامي ودبلوماسي، عبر التغطية الواسعة من وسائل الإعلام الدولية التي تواكب الرحلة.

دعوة لإعادة التفكير في الممرات الإنسانية إلى غزة، خاصة بعد فشل المجتمع الدولي في تأمينها بطرق تقليدية.

نموذجًا لـ المقاومة المدنية السلمية في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية، ما يعيد الاعتبار لفعل التضامن الشعبي.

أسطول الصمود المغاربي" يستعد لمرحلة جديدة في كسر الحصار عن غزة

 التوقعات والتداعيات المحتملة

إن تمكن الأسطول من الوصول إلى المياه الإقليمية الفلسطينية أو تخومها، فسيشكل ذلك سابقة إنسانية وسياسية، قد تُجبر المؤسسات الأممية على إعادة النظر في آليات التعامل مع الحصار.

أما في حال تم اعتراضه أو منعه، فإن مجرد محاولة الوصول ستفتح الباب أمام حملات ضغط دولية، وتحرك شعبي أوسع، وربما تؤسس لنماذج جديدة في المقاومة المدنية العابرة للحدود.

 آفاق التضامن المغاربي والدولي

المبادرة تشكّل فرصة نادرة لإعادة بناء جسور التضامن العربي، لا على مستوى البيانات الرسمية، بل من خلال فعل ميداني عابر للجغرافيا والسياسة. وقد أبدت العديد من الشخصيات والهيئات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط دعمها للأسطول، سواء بالمشاركة الرمزية أو بالدعم اللوجستي والإعلامي.

ومن المنتظر أن يتم بث الرحلة مباشرة عبر منصات رقمية، وتقديم تحديثات دورية حول تحرّك السفن، بهدف ضمان الشفافية وتوثيق أي محاولة للاعتداء.

يمثّل "أسطول الصمود المغاربي" أكثر من مجرد قافلة بحرية؛ إنه صرخة ضمير، تعبير عن كرامة شعب، وتمرد على واقع دولي متخاذل. وفي عالم تزداد فيه الجدران ارتفاعًا، يأتي هذا الأسطول من البحر، محملًا بأمل الشعوب، في أن يكون التضامن أكثر من شعار، وأكثر من منشور، بل فعلًا حيًّا يبحر نحو الحقيقة.