تحيي أوكرانيا هذا العام الذكرى الرابعة والثلاثين لاستقلالها عن الاتحاد السوفياتي، لكن هذه المرة تأتي الاحتفالات وسط أجواء مشحونة بالحرب المستمرة مع روسيا. فبينما تجمع الأوكرانيون في العاصمة كييف ومدن أخرى لإحياء المناسبة الوطنية، جاءت التطورات الميدانية لتؤكد أن الحرب التي تدخل عامها الثالث منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في فبراير/شباط 2022، لا تزال بعيدة عن النهاية. تستمر موسكو في ضغطها العسكري، فيما ترد كييف بضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ على العمق الروسي، في تصعيد متبادل يلقي بظلاله على كل محاولات إيجاد حل سلمي.
لم تكن الاحتفالات بالاستقلال مجرد مناسبة رمزية، بل رافقتها تحركات عسكرية مكثفة من الجانبين أعلنت كييف يوم الأحد تنفيذ سلسلة هجمات باستخدام طائرات مسيّرة على أهداف داخل روسيا. كان أبرز هذه الهجمات استهداف محطة "كورسك" النووية غرب البلاد، ما أدى إلى اندلاع حريق تمت السيطرة عليه.
وفي المقابل، أكدت موسكو أنها أسقطت عشرات الطائرات المسيّرة فوق أراضيها، بما في ذلك في مناطق حساسة وبعيدة عن خطوط التماس الأمامية مثل سان بطرسبرغ وخليج فنلندا، حيث اندلع حريق في منشأة وقود تابعة لشركة "نوفاتيك" العملاقة للطاقة.
وفي الجانب الأوكراني، أعلنت السلطات أنها تعرضت لهجوم صاروخي بالستي و72 طائرة هجومية مسيّرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد".
ورغم نجاح الدفاعات الجوية الأوكرانية في إسقاط 48 منها، إلا أن القصف الروسي أسفر عن مقتل امرأة وإصابة آخرين في مدينة دنيبروبيتروفسك شرقي البلاد.
ورغم صمود الجبهات القتالية الرئيسية، تواصل القوات الروسية تحقيق تقدم بطيء في شرق أوكرانيا، حيث أعلنت السبت السيطرة على قريتين جديدتين في منطقة دونيتسك.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن روسيا تسيطر الآن على نحو خُمس مساحة أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014.
في خطاب مؤثر بمناسبة الاستقلال، وجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رسالة قوية للعالم مفادها أن بلاده لن تستسلم. قال زيلينسكي: "أوكرانيا لم تنتصر بعد، لكنها بالتأكيد لن تخسر.
أوكرانيا ليست ضحية، إنها مقاتلة". وأوضح أن الهجمات التي تنفذها بلاده على العمق الروسي تأتي ردًا مباشرًا على ما وصفه بـ "تجاهل" روسيا المتواصل لدعوات السلام.
وقد شهدت الاحتفالات الرسمية في كييف حضورًا دوليًا بارزًا، مما يعكس استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا. كان من بين الحضور المبعوث الأمريكي الخاص كيث كيلوغ ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، الذي أكد أن "الدعم الكندي ثابت.
نحن مع أوكرانيا في حقها بالدفاع عن سيادتها وتحقيق أحلامها"، وهي رسالة تعزز الموقف الأوكراني في مواجهة العدوان الروسي.
تزامنت الاحتفالات الأوكرانية مع رسائل من قادة العالم تؤكد على الطبيعة الدولية للأزمة. بعث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة تهنئة إلى زيلينسكي، دعا فيها إلى إنهاء "هذا القتل عديم المعنى"، وجدد دعمه للتسوية التفاوضية.
من جانبه، شدد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على أن أي تسوية يجب أن "تحافظ على سيادة أوكرانيا وتضمن أمنها على المدى الطويل".
كما وجه قادة آخرون، من الملك تشارلز والبابا فرنسيس إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، رسائل رمزية بمناسبة الاستقلال، مما يبرز الأهمية العالمية للأزمة الأوكرانية.
في المقابل، جددت روسيا رفضها لوقف إطلاق النار دون شروط، حيث صرّح وزير الخارجية سيرغي لافروف بأنه "لا لقاء" مرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيلينسكي. واتهم لافروف الدول الغربية بمحاولة "تعطيل أي عملية تفاوضية جادة"، مؤكدًا أن أي قمة محتملة "تتطلب إعدادًا دقيقًا" حتى لا تؤدي إلى "مفاقمة الأزمة".
وفي مقابلة بثتها القناة الروسية العامة، قال لافروف: "كلّ ما يقومون به هو البحث عن ذرائع لتعطيل المفاوضات"، مندّدا بموقف زيلينسكي الذي "يتعنّت ويضع شروطا ويطالب باجتماع فوري بأي ثمن".
بعيدًا عن التحركات السياسية والميدانية، تذكّر ذكرى الاستقلال بملايين الأوكرانيين الذين شردتهم الحرب ودمرت منازلهم في الشرق والجنوب. فبينما يتواصل النزاع على الأرض، يعيش النازحون واللاجئون في ظروف صعبة، وتتعرض المدن لبنيتها التحتية المتهالكة بفعل الهجمات الروسية المتواصلة.
تحمل الاحتفالات الوطنية هذا العام رمزية خاصة: إصرار الأوكرانيين على التمسك بهويتهم واستقلالهم رغم الحرب، ورسالة للعالم بأن كييف باقية في معركتها.
وفي المقابل، تعكس رسائل الدعم الدولية ضغوطًا متزايدة لإيجاد مخرج سياسي يوقف نزيف الحرب، وإن كانت فرص السلام لا تزال بعيدة في ظل تصلب المواقف من الجانبين.