رحل عن عالمنا القاضي الأمريكي الشهير «فرانك كابريو»، الشخصية القضائية التي تحوّلت إلى رمز عالمي للعدالة الرحيمة، عن عمر ناهز (89) عامًا، بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وعُرف «كابريو» بأسلوبه الفريد في إصدار الأحكام داخل محكمة المرور في مدينة بروفيدنس بولاية رود آيلاند، حيث امتزج القانون بروح التفاهم، وأصبح وجهًا مألوفًا لملايين المتابعين حول العالم عبر مقاطع الفيديو التي وثّقت لحظاته المؤثرة داخل قاعة المحكمة.
ولم يكن القاضي «كابريو» مُجرد موظف في سلك القضاء، بل كان ظاهرة إنسانية استثنائية أعادت تعريف مفهوم العدالة لدى الجمهور. ومع إعلان وفاته، تُطوى صفحة رجلٍ آمن بأن كل شخص يستحق فرصة لفهمه قبل الحكم عليه. لسنوات، تابع الملايين مقاطع من جلساته القضائية، التي جمعت بين الحزم والتسامح، فحوّلت قاعة المحكمة إلى مساحة للاستماع والاحترام، لا مجرد إصدار الأحكام.
وأعلن الحساب الرسمي للقاضي الأمريكي المحبوب فرانك كابريو، وفاته عن عمر (89) عامًا، بعد تشخيص إصابته بـ«السرطان»، وفقًا لمنشورات على صفحاته بوسائل التواصل الاجتماعي.
وأعلنت عائلة القاضي وفاته لقناة «WJAR» التابعة لشبكة «NBC»، يوم الأربعاء، بعد يوم من طلبه من متابعيه من سرير المستشفى أن يدعو له.
وقال «كابريو» في إشارة إلى نوبة سابقة من سرطان البنكرياس : للأسف تعرضت لانتكاسة، وأنا الآن في المستشفى وأعود إليكم مرة أخرى أطلب منكم أن تتذكروني في صلواتكم مرة أخرى.
وحصل كابريو على لقب أجمل قاضي في العالم، لسنواته في برنامج «Caught in Providence»، حيث كان لديه ملايين المتابعين من العالم.
وكتب الحساب الرسمي للقاضي الأمريكي: «رحل القاضي فرانك كابريو بسلام عن عمر يُناهز (89) عامًا بعد معركة طويلة وشجاعة مع سرطان البنكرياس.. كان محبوب لعطفه وتواضعه وإيمانه الثابت بصلاح الناس، لمس القاضي كابريو حياة الملايين من خلال عمله في قاعة المحكمة وما بعدها دفئه و فكاهته وطيبته ترك بصمة لا تمحى».
وأضاف الحساب: «سنتذكره ليس فقط كقاضي محترم، ولكن كزوج مخلص وأب، وجد.. جد كبير وصديق يعيش إرثه في أعمال اللطف التي لا تحصى التي ألهمها للكثيرين».
من جانبه، أمر حاكم ولاية رود آيلاند، «دان ماكي»، برفع الأعلام في الولاية على نصف السارية، واصفًا كابريو بأنه «كنز الولاية».
وسبق أن أطل القاضي الراحل من سرير المستشفى في مقطع فيديو مُؤثر نشره قبل أيام، كشف خلاله عن تعرضه لانتكاسة صحية جديدة.
وبدا «القاضي الرحيم» مُتأثرًا في المقطع الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي حيث وجّه رسالة إلى متابعيه. وفي وقت متأخر من مساء يوم الإثنين 19 أغسطس/آب الجاري، نشر عبر حسابه على إنستجرام منشورًا كشف فيه عودته إلى المستشفى، قائلًا: «طلبت منكم الصلاة العام الماضي، ويبدو أنكم فعلتم، لأنني تجاوزت فترة صعبة جدًا. للأسف، واجهت نكسة صحية وعدت من جديد إلى المستشفى… أطلب منكم مرة أخرى أن تتذكروني في صلواتكم، إذا أمكن ذلك».
وكان كابريو قد شُخّص بسرطان البنكرياس في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تزامنًا مع احتفاله بعيد ميلاده السابع والثمانين. وخضع حينها لستة أشهر من العلاج الكيميائي، إلى جانب خمس جلسات علاج إشعاعي، وأقر بأن هذه العلاجات كانت «مُنهكة» وأثرت عليه فترة طويلة.
وفي يوليو/تموز 2024، شارك «القاضي الرحيم» جمهوره مقطع فيديو وهو يُؤدي تمارين الضغط، مُرفقًا بعبارة: «لقد عدت»، في إشارة رمزية إلى القوة والتعافي والتفاؤل الذي ظل يحمله معه حتى عادت الأزمة الصحية الأخيرة.
وُلد فرانك كابريو في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1936 بمدينة بروفيدنس في ولاية رود آيلاند الأمريكية، وهو الابن الثاني بين ثلاثة أبناء لمهاجرين إيطاليين.
شغل كابريو منصب قاضٍ في محكمة بروفيدنس البلدية على مدى (38) عامًا، وذاع صيته عالميا بفضل برنامجه التلفزيوني الشهير «محاصر في بروفيدنس» (Caught in Providence)، حيث تعرّف المشاهدون إليه وهو يصغي بتعاطف لتفسيرات السائقين المخالفين ويتعامل معهم برحابة صدر وإنسانية.
كثيرًا ما كان كابريو يدخل في أحاديث ودية مع المخالفين داخل قاعة المحكمة، ويُخفف عنهم العقوبات أو يتنازل عن الغرامات مراعاة لظروفهم الاجتماعية، وهو ما أكسبه شعبية واسعة تخطت حدود مدينته.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصدر القاضي الراحل كتابًا بعنوان «الرحمة في المحكمة»، روى فيه سيرته الذاتية وتأثير والديه المهاجرين وذكريات حيّه (فيدرال هيل)، وتجربة الجيل الأول من الأميركيين من أصول إيطالية.
وقد حقق برنامجه التلفزيوني «اعتقال في بروفيدنس»، الذي ينتجه شقيقه جو كابريو، انتشارًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حتى رُشح عام 2021 لجائزة «داي تايم إيمي». وتحصد مقاطع جلساته ملايين المشاهدات عالميًا، لما تحمله من مواقف إنسانية وعفوية.
ويرى «القاضي الرحيم» أن جذور إنسانيته تعود إلى والده بائع الحليب، «كان يفترض ألا يُوصل الحليب للزبائن العاجزين عن الدفع، لكنه كان يفعل ذلك دائمًا».
وبرحيل القاضي «فرانك كابريو»، تُطوى صفحة قامة قانونية وإنسانية نادرة، أعادت تعريف العلاقة بين القضاء والمجتمع، وأثبتت أن تطبيق العدالة لا يتعارض مع الرحمة. لقد شكّل نموذجًا فريدًا في المنظومة القضائية، حيث اختار أن يسمع الناس قبل أن يحكم عليهم، وأن يمنح الفرص بدل العقوبات. وبينما تُودّعه قاعة المحكمة التي ارتبط بها، يبقى إرثه حاضرًا في أذهان الملايين، كواحد من الأصوات القليلة التي جمعت بين هيبة القانون ودفء الإنسانية.