دراسات وأبحاث

"درع واشنطن الفضائي".. هل يعيد برنامج القبة الذهبية تشكيل ميزان القوى العالمي؟

الإثنين 18 أغسطس 2025 - 03:45 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في ظل تصاعد التنافس الاستراتيجي والتكنولوجي بين القوى الكبرى، يبرز مشروع "القبة الذهبية الأمريكية" كأحد أكثر المبادرات الدفاعية طموحًا في التاريخ الحديث، بما يمثله من تحول نوعي في مفاهيم الأمن العسكري والفضائي. يهدف هذا البرنامج إلى إنشاء منظومة درع صاروخي متعددة الطبقات، تمتد من الفضاء الخارجي حتى الغلاف الجوي والأرض، لمواجهة تهديدات معقدة ومتقدمة، تشمل الصواريخ الباليستية، والطائرات المقاتلة، والهجمات الفرط صوتية.

تفاصيل عن القبة الذهبية التي أعلن ترامب عنها.. وعلاقة الصين بها

وفي هذا السياق، تثار العديد من الأسئلة: ما أبرز ملامح هذا البرنامج؟ ما طبيعة التهديدات التي صُمم لمواجهتها؟ وهل تستطيع واشنطن تنفيذه ضمن الجداول الزمنية والميزانيات المحددة (2028–2029)؟ وكيف ستتعامل روسيا والصين مع هذا التطور؟ هل نحن بصدد سباق تسلح جديد أكثر تكلفة وخطورة؟

يهدف هذا التحليل إلى الإجابة عن هذه التساؤلات عبر المحاور التالية:

أولاً: ما هو برنامج "القبة الذهبية الأمريكية"؟

مرّت الولايات المتحدة بمراحل متعددة من تطوير الأنظمة الدفاعية منذ خمسينيات القرن الماضي، بدءًا من تجارب أولية على الصواريخ، مرورًا بالأنظمة الرقمية في الستينيات والسبعينيات، ثم "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" في الثمانينيات المعروفة بـ"حرب النجوم"، وصولًا إلى أنظمة أكثر نضجًا في التسعينيات والقرن الحادي والعشرين.

وتأتي "القبة الذهبية" اليوم بوصفها خلاصة هذه المسارات، حيث أُعلن عنها رسميًا في يناير 2025 ضمن مشروع "القبة الحديدية لأمريكا"، قبل أن يُعاد تسميتها لاحقًا بـ"القبة الذهبية" للدلالة على طابعها الاستراتيجي والفضائي المتقدم.

تتكون القبة من منظومة متكاملة تشمل:

أقمارًا صناعية متطورة للإنذار المبكر والتتبع.

منصات لاعتراض الصواريخ فرط صوتية.

أنظمة أرضية مثل الرادارات المتقدمة، والصواريخ الاعتراضية، وأسلحة الليزر.

تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم الذاتي.

رُصدت ميزانية مبدئية للمشروع تُقدَّر بـ25 مليار دولار، بينما تشير تقديرات البيت الأبيض إلى تكلفة كلية قد تصل إلى 175 مليار دولار، في حين يُرجح مكتب الميزانية الأمريكية (CBO) أن تتجاوز التكاليف حاجز 831 مليار دولار، بالنظر إلى التطوير والاختبارات والبنية التحتية المطلوبة.

ترامب يعلن إنشاء "القبة الذهبية الأميركية" | سكاي نيوز عربية

ثانيًا: أهمية البرنامج والمستفيدون منه

يمثل برنامج "القبة الذهبية" استجابة مباشرة لتنامي القدرات العسكرية والتكنولوجية لكل من روسيا والصين، ويكرّس محاولة أمريكية لاستعادة زمام المبادرة في سباق التسلح الفضائي والدفاع الاستراتيجي.

أبرز المستفيدين:

الولايات المتحدة وحلفاؤها: يعزز البرنامج الأمن القومي الأمريكي ويوفّر مظلة دفاعية يمكن توسيعها لتشمل الحلفاء عبر منظومات مشتركة مثل NORAD.

شركات الدفاع والتكنولوجيا: مثل Lockheed Martin، SpaceX، Palantir، L3Harris، Anduril، وغيرها من الشركات التي تسعى لتوفير حلول تكنولوجية متقدمة للبرنامج.

القطاع الفضائي التجاري: مع توسع المشروع، تتضاعف فرص الاستثمار في تكنولوجيا الأقمار الصناعية والاتصالات والتحكم عن بعد.

ثالثًا: الرد الروسي والصيني

1. الرد الروسي

ترى موسكو في "القبة الذهبية" تهديدًا مباشرًا لمبدأ "الردع النووي المتبادل"، ما قد يدفعها إلى:

تطوير أسلحة اختراقية جديدة: مثل صواريخ "أفانجارد"، و"بوريفيستنيك"، و"بوسيدون" التي صُممت لتجاوز أنظمة الدفاع الأمريكية بسرعات فرط صوتية وقدرات مناورات عالية.

تكثيف سباق التسلح الفضائي: عبر تطوير أنظمة مضادة للأقمار الصناعية (ASAT)، وأسلحة ليزرية لتعطيل بنية القبة الفضائية.

حروب إلكترونية: تستهدف بها أنظمة القيادة والتحكم في البرنامج الأمريكي.

تحالفات عسكرية مضادة: توسيع التعاون مع الصين وإيران وكوريا الشمالية لتشكيل محور ردع مضاد يوازن النفوذ الأمريكي.

بوابة روز اليوسف | عاجل.. الجيش الأمريكي يطور بشكل عاجل نظام الدفاع  الصاروخي "القبة الذهبية"

2. الرد الصيني

تتشارك الصين القلق الروسي ذاته بشأن إضعاف ميزان الردع، ومن المرجح أن تتبع مسارات متدرجة تشمل:

زيادة الترسانة النووية: تسريع برنامج مضاعفة الرؤوس النووية، حيث تشير تقارير البنتاغون إلى إمكانية بلوغ 1500 رأس نووي بحلول عام 2035.

تبني استراتيجية الإشباع الصاروخي: بإطلاق موجات كثيفة من الصواريخ والدرونات الهجومية لإرباك أنظمة الدفاع الأمريكية.

تعزيز القدرات الفضائية العسكرية: من خلال تطوير برنامج الفضاء العسكري الصيني (CSSHQ)، وإطلاق أقمار هجومية وتشويشية، إلى جانب الاستثمار في أسلحة الطاقة الموجهة.

استهداف سلاسل الإمداد الأمريكية: عبر التحكم في صادرات المعادن النادرة الضرورية لصناعة الأقمار الصناعية والمستشعرات الدقيقة.

الحكومة الأمريكية تكشف تفاصيل جديدة لمنظومة "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي

يشكل برنامج "القبة الذهبية الأمريكية" تحولًا نوعيًا في تاريخ أنظمة الدفاع الاستراتيجية، ليس بوصفه مشروعًا دفاعيًا تقليديًا، بل باعتباره خطوة نحو تكريس معادلة ردع جديدة ترتكز على القدرات الفضائية والتكنولوجية. إلا أن نجاح المشروع يتوقف على مدى قدرة واشنطن على التمويل طويل الأمد، ومواكبة الابتكار المستمر، خاصة أن كثيرًا من التهديدات التي يسعى البرنامج للتصدي لها لم تُختبر بعد ميدانيًا في ظروف قتال حقيقية.

في المقابل، فإن الرد الروسي والصيني قد يؤدي إلى تصعيد سباق التسلح العالمي، ويدفع العالم إلى مرحلة جديدة من الانقسام الاستراتيجي، ليس فقط في الأرض، بل في الفضاء أيضًا.