لم تعد تداعيات الحروب التي تخوضها إسرائيل تقتصر على الخسائر البشرية والميدانية، بل باتت تمتد لتضرب عمق الاقتصاد الوطني، مخلفة أزمات متراكمة في قطاعات حيوية تمس حياة المواطنين مباشرة.
ومع استمرار الحرب على غزة ودخول إسرائيل في مواجهة عسكرية مع إيران استمرت 12 يومًا، بدأت الخسائر الاقتصادية تظهر بوضوح في المؤشرات الرسمية.
تشير بيانات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع خلال يوليو الماضي بنسبة 4% على أساس شهري، مدفوعًا بصعود أسعار الغذاء والطاقة والإسكان، في انعكاس مباشر للضغوط المعيشية على الداخل الإسرائيلي.
كما سجلت أسعار الإيجارات زيادة ملحوظة في وقت يواصل فيه سوق العقارات التراجع نتيجة ضعف الطلب، بينما يسعى البنك المركزي الإسرائيلي إلى تثبيت التضخم عند 3% وسط مخاوف من تجدد موجة ارتفاع الأسعار.
وفي ظل هذه التطورات، خفضت وزارة المالية الإسرائيلية توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2025 من 3.6% إلى 3.1%، مرجعة ذلك إلى اتساع حالة عدم اليقين واستمرار التحديات أمام القطاعات الاستثمارية والمالية، وهو ما يعمق أزمة سوق العمل ويضغط على بيئة الأعمال داخل إسرائيل.
من جهة أخرى، كشفت الحرب مع إيران حجم الخسائر الاقتصادية غير المباشرة التي تكبدتها إسرائيل، فخلال يونيو الماضي، ومع الإغلاق الذي استمر أسبوعين نتيجة تبادل الضربات الجوية والصاروخية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 3.5% في الربع الثاني من 2025.
كما تراجع الناتج المحلي للفرد بنسبة 4.4%، فيما انخفض ناتج قطاع الأعمال بنسبة 6.2%، وسجلت جميع مكونات الاقتصاد تراجعًا: الاستهلاك الخاص بنسبة 4.1%، والاستهلاك العام بنسبة 1%، والاستثمارات في الأصول الثابتة بنسبة 12.3%.
كذلك، هبطت الصادرات بنسبة 3.5% في حين ارتفعت الواردات بـ 3.1%، وتتوافق هذه الأرقام مع تقديرات كبار الاقتصاديين في وزارة المالية الذين توقعوا تلقي الاقتصاد "ضربة قوية" في الربع الثاني بسبب الإغلاق، وهو ما دفع الوزارة إلى خفض تقديرات النمو السنوي إلى 3.1%، مقارنة بتوقعات البنك المركزي السابقة التي قدرت النمو عند 3.3%.
مؤشرات نحو أزمة أعمق
تجمع المؤشرات الاقتصادية بين تداعيات الحرب المستمرة على غزة والخسائر الناجمة عن المواجهة مع إيران لتظهر صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
فالتضخم المتسارع، وتراجع النمو، وتقلص الاستثمارات، وتدهور سوق الإسكان والعمل، كلها تعكس أن إسرائيل مقبلة على مرحلة تدهور اقتصادي قد تتجاوز كل التوقعات السابقة.
ويحذر خبراء من أن استمرار النزاعات العسكرية سيضاعف الضغوط على المالية العامة والقدرة التنافسية، ما يجعل الكلفة الاقتصادية للحروب المتتالية أكبر من قدرة إسرائيل على احتوائها على المدى المتوسط.