دراسات وأبحاث

أوكرانيا تنجو من الأسوأ في قمة ألاسكا وسط ارتباك أمريكي

الأحد 17 أغسطس 2025 - 07:05 ص
مصطفى عبد الكريم
ترامب و بوتين في
ترامب و بوتين في الأسكا

في مشهد يعكس تغيرًا في موازين القوى الدولية، خرجت «أوكرانيا» من قمة ألاسكا وقد تجنّبت السيناريو الأسوأ، في وقت بدت فيه الولايات المتحدة في موقع «المُرتبك» سياسيًا واستراتيجيًا. القمة، التي جاءت في لحظة دقيقة من تطورات الأزمة الأوكرانية، كشفت عن محدودية أدوات واشنطن التقليدية، في ظل تصاعد دور لاعبين دوليين جدد، وتراجع قدرة الغرب على فرض أجندته بالكامل. وبينما سعت كييف للحفاظ على الحد الأدنى من الدعم والضمانات، برز التباين في مواقف الحلفاء، ما أضفى على القمة طابعًا رماديًا يعكس تعقيد المرحلة المُقبلة.

واشنطن تُغيّر اتجاهها

وفي الوقت الذي وجّه فيه الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، توبيخًا لزعيم نظام كييف، «فولوديمير زيلينسكي»، داخل المكتب البيضاوي، وأوقف مرتين شحنات عسكرية كانت مُقررة لأوكرانيا، مع تقليصه أو تهديده بقطع التمويل الأمريكي المُوجّه لوسائل الإعلام الناطقة بالروسية والمعارضة للكرملين، كانت إدارته تسير بهدوء نحو تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، فيما لم يُخفِ «ترامب» إعجابه المُتكرر بالرئيس الروسي «بوتين».

Zelenskyy's White House meeting with Trump and Vance unravels into a heated  clash
توبيخ ترامب و زيلينسكي

هكذا تنهي إدارة ترامب ما قيل إنه «العقوبات الأساسية وإجراءات مراقبة الصادرات التي حافظت على الضغط الأمريكي وزادته»، وفقًا لتقرير الأقلية في مجلس الشيوخ، حتى إن السيناتورين جين شاهين وإليزابيث وارن كتبا في بيان مشترك: «كل شهر قضاه في منصبه (ترامب) دون اتخاذ إجراء، عزز يد بوتين وأضعف يدنا، وقوّض جهود أوكرانيا لإنهاء الحرب».

وفيما مرّ العديد من هذه التغييرات مرور الكرام في الولايات المتحدة، فإنها لاقت صدى على نطاق واسع في روسيا، حيث لاقت هجمات الإدارة الأمريكية على زيلينسكي والأوروبيين وإذاعة «صوت أمريكا» استحسانًا واسعًا على التلفزيون الروسي.

ترامب في نظر بوتين

وتلفت مجلة «ذا أتلانتيك» إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين لديه رؤية بأن ترامب، على حد التعبير الذي استخدمه الرئيس الأمريكي سابقًا ضد زيلينسكي، «لا يملك أي أوراق».

ورغم تأكيدات ترامب، الذي يضع جائزة نوبل للسلام نصب عينيه، أنه يُريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، ويعُرب أحيانًا عن غضبه لعدم رغبة بوتين في ذلك، لكن في الواقع، لم تكن الولايات المتحدة - منذ عودته إلى البيت الأبيض - مُستعدة لاستخدام أي أدوات اقتصادية أو عسكرية أو سياسية لمساعدة أوكرانيا.

وتُشير المجلة الأمريكية إلى أنه «إذا لم يُمارس ترامب أي ضغط دبلوماسي على بوتين، أو أي عقوبات جديدة على الموارد الروسية، فيُمكن تجاهل رغبة الرئيس الأمريكي الجامحة في الظهور بمظهر صانع السلام، فلا عجب أن جميع مواعيد ترامب التفاوضية مع روسيا قد انقضت دون جدوى، ولا عجب أن الدعوة إلى أنكوريج (قمة ألاسكا) لم تُسفر عن أي نتيجة».

إحباط أمريكي من القمة

وعبّرت الكاتبة «آن أبلباوم»، زميلة معهد «SNF Agora» بجامعة جونز هوبكنز وكلية الدراسات الدولية المتقدمة، عن إحباط الكثير من المراقبين في الولايات المتحدة من لقاء الزعيمين: «لا يُوجد الكثير مما يُمكن قوله عن اجتماع ترامب وبوتين أمس في ألاسكا، بخلاف ملاحظة العناصر المتشابكة للمأساة والمهزلة».

وتُضيف: «إنه لأمر مُؤلم أن نتخيل مدى سوء فهم المبعوث الدبلوماسي لترامب، ستيف ويتكوف، وهو هاوٍ (سياسيًا)، لاجتماعه الأخير مع بوتين في موسكو، إذا كان قد اعتقد أن قمة ألاسكا ستنجح. من المشؤوم أن يقول ترامب الآن إنه لا يُريد الضغط من أجل وقف إطلاق النار، ولكن بدلًا من ذلك من أجل مفاوضات السلام، لأن الصيغة الأخيرة تمنح بوتين الوقت لمواصلة قتل الأوكرانيين».

في المقابل، ركّزت التقارير الروسية عن الاجتماع على التعاون التجاري، وإشارة بوتين إلى أن «شراكة الأعمال والاستثمار الروسية الأمريكية لديها إمكانات هائلة».

أوكرانيا تتفادى الأسوأ

الأمر الوحيد الذي أثار ارتياح العديد من الأوكرانيين والأوروبيين، هو عدم إعلان ترامب عن أمرٍ أسوأ من عدم التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب في أوكرانيا، وأنه لم يدعُ إلى استسلام أوكرانيا، أو إلى تنازلها عن أراضٍ، كما أشارت عدة تقارير قبل القمة.

وتقول أبلباوم: «ما لم تكن هناك بروتوكولات سرية، وربما بعض الصفقات التجارية، لم نطّلع عليها بعد، فلن تُذكر أنكوريج على الأرجح كمؤتمر ميونيخ جديد، أو كاتفاقية مولوتوف - ريبنتروب».

Who's in the meeting with Trump and Putin at the Alaska summit - ABC News
ترامب و بوتين في الأسكا

وتُضيف: «إن أفضل طريقة لفهم أنكوريج ليست باعتبارها بدايةً لشيء جديد، بل تتويج لعملية أطول. فبينما تُفكّك الولايات المتحدة أدوات سياستها الخارجية، وتُقيل هذه الإدارة مَن يجيدون استخدامها، ستتضاءل قدرتنا على التصرف برشاقة، من وزارة الخزانة إلى الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، ومن وزارة الخارجية إلى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، تُقوّض وكالة تلو الأخرى، عمدًا أو سهوًا، من قِبل مُعيّنين سياسيين غير مؤهلين، أو جبناء، أو مُعادين لمهمتهم».

وأكدت أن «الولايات المتحدة لم تعد تملك أوراق ضغط حقيقية، لأنها كشفت عن أدواتها وفقدت عنصر التأثير. وإذا أرادت أن تستعيد قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث، فعليها أن تسترجع هذه الأوراق، من خلال: تسليح أوكرانيا بشكل فعّال، وتوسيع العقوبات المفروضة على روسيا، والتصدي للطائرات المسيّرة الفتاكة، والعمل على إضعاف الاقتصاد الروسي، وتحقيق النصر في الحرب. فقط حينها، يُمكن أن يتحقق السلام».

واشنطن تفقد زمام المبادرة

ورغم ضبابية المواقف وتباين الحسابات، خرجت «أوكرانيا» من قمة ألاسكا بأقل الخسائر، بعد أن تمكنت من تفادي سيناريوهات أكثر تعقيدًا كانت مطروحة على الطاولة. في المقابل، كشفت القمة عن هشاشة الأداء الأمريكي، وتراجع قدرتها على ضبط إيقاع الحلفاء أو فرض مقاربتها على مسار الأزمة. وبينما تتجه الأنظار إلى ما بعد القمة، تبقى التساؤلات قائمة حول حدود الدور الأمريكي، وموقع أوكرانيا في مُعادلة دولية آخذة في التحول.