أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الأسبوع الأخير من يوليو 2025، تحذيرًا شديد اللهجة إلى موسكو، مطالبًا بوقف العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال مهلة قصيرة تتراوح بين 10 و12 يومًا، تبدأ في 28 يوليو، وإلا ستواجه روسيا عقوبات أمريكية جديدة، تشمل رسومًا جمركية تصل إلى 100% على الدول التي تستورد النفط الروسي.
هذا التحرك الأمريكي المفاجئ جاء بعد تقليص ترامب مهلة سابقة كانت 50 يومًا، بدعوى غياب أي تقدم ملموس من الجانب الروسي.
وفي ظل هذا التصعيد، تثار تساؤلات حول أبعاد الرد الأمريكي، ورد موسكو المحتمل، وأوراق الضغط المتاحة للطرفين، والسيناريوهات المتوقعة بعد انتهاء المهلة.
تتبنى إدارة ترامب في هذه المرحلة نهجًا حادًا ومباشرًا مع موسكو، يتسم بعدة ملامح:
التركيز على الضغط الاقتصادي: ترامب لا يلوّح بالتدخل العسكري، بل يعتمد على التهديد الاقتصادي المباشر عبر عقوبات ورسوم جمركية صارمة، تعكس رؤيته بأن الضغوط الاقتصادية قد تحقق أهداف الردع بشكل أسرع وأقل كلفة من الانخراط العسكري.
تفرد واشنطن بالقرار: يبتعد ترامب عن التنسيق الكامل مع الحلفاء التقليديين مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي، ويعتمد سياسة أمريكية خالصة في التعامل مع الأزمة.
يشكّل التصعيد الحالي نقلة نوعية في استراتيجية الردع الأمريكية تجاه روسيا، تتضح ملامحه في بعدين رئيسيين:
البعد الاقتصادي: يتجسد في التهديد بفرض رسوم جمركية عقابية على الدول المستوردة للطاقة الروسية، ما يُدخل الاقتصاد العالمي في مأزق، خاصة إذا فُرضت عقوبات ثانوية على دول كبرى مثل الصين والهند.
البعد الدبلوماسي: ورغم التصعيد، تسعى واشنطن لترك نافذة تفاوض مفتوحة، عبر إرسال مبعوث رئاسي لعقد لقاء مباشر مع بوتين، في محاولة لبلورة تسوية سياسية، ولو مشروطة.
تؤكد روسيا، وعلى رأسها بوتين، تمسكها باستكمال أهدافها العسكرية، خصوصًا السيطرة الكاملة على أقاليم دونيتسك، لوهانسك، زابوريجيا، وخيرسون، وترفض التفاوض تحت الضغط. التصريحات الروسية، لا سيما من دميتري ميدفيديف، تشير إلى أن موسكو تعتبر التهديدات الأمريكية مجرد "لعب بالنار"، قد تؤدي لتصعيد مباشر مع واشنطن.
مع اقتراب نهاية المهلة (بين 7 و11 أغسطس 2025)، تظهر أربعة سيناريوهات رئيسية لتطور المشهد:
من المحتمل أن تبادر إدارة ترامب إلى فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية، بما يشمل تنفيذ مشروع قانون "Sanctioning Russia Act"، وفرض رسوم على الدول المتعاملة مع روسيا في قطاع الطاقة.
لكن هذا المسار يحمل مخاطر تفجر توترات تجارية عالمية، وقد ترد موسكو بتوسيع هجماتها العسكرية أو حتى تصعيد نووي دعائي.
قد تختار روسيا الرد على التصعيد الأمريكي بهجمات عسكرية أشد في أوكرانيا أو عبر تحريك خطاب التهديد النووي، كما فعلت مؤخرًا حين أعلنت سحب التزاماتها بمنع نشر صواريخ نووية متوسطة المدى.
في حال شعرت موسكو بتهديد اقتصادي حقيقي، قد تقدم تنازلات محدودة تسمح ببدء مفاوضات غير رسمية برعاية أمريكية، كوقف إطلاق نار مؤقت أو تبادل أسرى. وهذا السيناريو قد يُعد انتصارًا سياسيًا لإدارة ترامب دون التورط عسكريًا.
وهو خيار مستبعد جدًا نظرًا لتداعياته على مصداقية الردع الأمريكي. إذ إن تراجع واشنطن قد يشجع موسكو على توسيع نفوذها في أوكرانيا ويقوض مكانة أمريكا كقوة عالمية قائدة.
تُعد مهلة ترامب لموسكو اختبارًا حاسمًا للسياسة الأمريكية الجديدة تجاه الأزمة الأوكرانية، وقد تكون نقطة تحوّل من التهديد النظري إلى التصعيد العملي، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو عبر خلق واقع جديد على الأرض.
وفي حال لم تستجب روسيا، فإن الفترة المقبلة قد تشهد فرض عقوبات غير مسبوقة، بما ينذر بتوسيع رقعة التصعيد نحو أفق دولي أكثر اضطرابًا.