في خطوة لافتة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي والأمني في لبنان والشرق الأوسط، نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربّة من حزب الله، وثيقة مسرّبة وُصفت بأنها تمثل "المقترح النهائي" الذي قدّمه المبعوث الأمريكي توم باراك إلى الحكومة اللبنانية، بهدف التوصل إلى تسوية شاملة بين لبنان وإسرائيل، تتضمن تفكيك حزب الله عسكريًا خلال أربعة أشهر، مقابل انسحاب تدريجي وكامل لإسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة.
الوثيقة، التي تحمل عنوان "تمديد وتثبيت إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل – نوفمبر 2024"، جاءت نتيجة أشهر من المشاورات خلف الكواليس بين عدة أطراف دولية وإقليمية، أبرزها الولايات المتحدة، فرنسا، الأمم المتحدة، ووسطاء عرب كالسعودية وقطر.
وقد عُرضت مؤخرًا على مجلس الوزراء اللبناني في جلسة وُصفت بأنها عاصفة ومشحونة سياسيًا.
منذ تصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل على خلفية الحرب الإسرائيلية في غزة عام 2023، أصبح الجنوب اللبناني ساحة توتر شبه يومي.
القصف المتبادل، واستهداف المواقع الحساسة، وتحليق الطائرات المسيّرة، كل ذلك خلق بيئة محفوفة بالخطر، وسط مخاوف حقيقية من اندلاع حرب شاملة مشابهة لما جرى عام 2006.
وفي ظل غياب حكومة فاعلة في بيروت، والانهيار الاقتصادي المتفاقم، بدأ المجتمع الدولي البحث عن مخرج سياسي وأمني يُنهي حالة الحرب المزمنة بين الطرفين، ويعيد فرض سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، خصوصًا في جنوب الليطاني، حيث يُسيطر حزب الله شبه كليًا منذ سنوات.
تضمن المقترح الأمريكي 11 بندًا رئيسيًا، يمكن تلخيصها بما يلي:
التزام لبنان باتفاق الطائف والدستور وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 1701، الذي ينص على وقف الأعمال العدائية، ونزع سلاح كل الجماعات المسلحة غير الشرعية، وتوسيع سلطة الدولة.
وقف شامل للأعمال العدائية، برًا وجوًا وبحرًا، وتفكيك كافة الفصائل المسلحة غير الرسمية، وعلى رأسها حزب الله، شمال وجنوب نهر الليطاني.
نشر الجيش اللبناني في مناطق التماس والحدود، بدعم دولي مباشر.
انسحاب تدريجي لإسرائيل من خمس نقاط استراتيجية تحتلها منذ حرب 2006.
ترسيم الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، وأيضًا ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وهو بند يكتسب أهمية بالغة في ظل تعقيد العلاقة الجغرافية والسياسية بين بيروت ودمشق.
عقد قمة اقتصادية دولية في خريف 2025 لدعم الاقتصاد اللبناني، بمشاركة دول غربية وخليجية.
دعم عسكري ولوجستي كبير للجيش اللبناني لضمان تنفيذه الاتفاق وبسط سيطرته.
يقسم الاتفاق إلى أربع مراحل تنفيذية تمتد على 120 يومًا، تبدأ بتصديق الحكومة اللبنانية رسميًا على الوثيقة:
المرحلة الأولى (من اليوم الأول إلى اليوم 15): تصديق الاتفاق، تجميد العمليات العسكرية، الكشف عن البنية التحتية العسكرية لحزب الله، تسليم الجيش 15 نقطة حدودية، والكشف عن المعتقلين اللبنانيين لدى إسرائيل.
المرحلة الثانية (من اليوم 15 إلى اليوم 60): بدء نزع السلاح، انسحاب إسرائيلي من ثلاث نقاط حدودية، وعودة سكان المناطق الجنوبية المهجرة.
المرحلة الثالثة (من اليوم 60 إلى اليوم 90): انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، وتسليم النقاط المتبقية للجيش اللبناني.
المرحلة الرابعة (من اليوم 90 إلى اليوم 120): تفكيك كامل لبنية حزب الله العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، وانسحاب إسرائيلي نهائي، مع بسط الدولة اللبنانية سيطرتها الكاملة على كل الجنوب.
حددت الوثيقة آلية ردع حاسمة لأي انتهاك من الطرفين:
أي خرق إسرائيلي يقابله توبيخ رسمي من مجلس الأمن الدولي.
أما خرق الجانب اللبناني، ويشمل حزب الله، فسيؤدي إلى تجميد الدعم العسكري وفرض عقوبات اقتصادية فورية.
بينما قد تُقابل بنود الاتفاق بترحيب واسع من قِبل الأطراف الدولية والعربية التي تسعى لاستقرار لبنان، فإن المشهد الداخلي اللبناني أكثر تعقيدًا. فحزب الله، الذي يُعد القوة العسكرية الأكبر في البلاد، يرى نفسه رأس حربة في محور "المقاومة" ضد إسرائيل، ولن يتخلى بسهولة عن سلاحه، خصوصًا في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة.
في المقابل، يرى خصوم حزب الله أن فرصة بسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي، وتلقي دعم اقتصادي دولي، تمثل فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، وإخراج لبنان من دائرة الصراعات الإقليمية.
تثير هذه الوثيقة أسئلة جوهرية حول مستقبل حزب الله، وعلاقة لبنان بإسرائيل، ومكانة البلاد في خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى واشنطن لرسمه. ما إذا كان هذا الاتفاق سينفذ، أم سيبقى حبرًا على ورق، رهن بمواقف القوى اللبنانية، وتوازنات القوى الإقليمية، وسقف التصعيد العسكري في الأشهر المقبلة.
لكن من المؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تاريخ لبنان، حيث يتقاطع الأمن بالسياسة، والدبلوماسية بالسلاح، والانقسام الوطني بالحسابات الدولية.