دراسات وأبحاث

غزة تحت الحصار والجوع.. بين فوضى التوزيع ومصايد الموت

الثلاثاء 05 أغسطس 2025 - 12:04 م
مريم عاصم
الأمصار

في غزة، وبعد أكثر من 22 شهرًا من الحرب والحصار، لم يعد الخطر يقتصر على القصف، بل تجاوز ذلك إلى جوع قاتل يتربص بالسكان من كل جانب.

حيث تهرع حشود يائسة من الناس، مخاطرين بحياتهم في كثير من الأحيان، إلى مركبات محملة بأكياس الغذاء، أو إلى مواقع الإنزالات الجوية للمساعدات التي نفذتها في الأيام الأخيرة الإمارات والأردن وبريطانيا وفرنسا.

وعقب وقف جزئي للقصف أعلنته إسرائيل الأحد تحت ضغط دولي بسبب خطر المجاعة، بدأت المساعدات الإنسانية تدخل مجدداً القطاع المحاصر، ولكن بكميات اعتبرتها المنظمات الدولية غير كافية إلى حد بعيد.

وفي كل مرة تصل فيها هذه المساعدات، تتكرر المشاهد المأساوية: حشود منهكة، تندفع صوب الشاحنات أو نقاط الإنزال الجوي، كما حدث في الزوايدة وسط القطاع حين تدافع العشرات نحو طرود ألقتها طائرة، ليتحول المشهد إلى فوضى وغبار واشتباك بالأيدي والسكاكين. يقول أمير زقوت: "دفع الجوع الناس إلى التناحر... الناس يتقاتلون بالسكاكين".

شباب يحملون فلسطينياً مصاباً بنيران إسرائيلية أثناء محاولة الحصول على مساعدات غذائية في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. 3 أغسطس 2025 - REUTERS

ضحايا الجوع

في منطقة زيكيم شمال غزة، يقول أحد الناجين وهو يحمل كيس دقيق: "كادت عجلة شاحنة أن تسحق رأسي، وأصبت أثناء انتشال الكيس".

وفي رفح جنوبًا، كان محمد أبو طه واقفًا في طابور منذ الفجر بحثًا عن كيس دقيق، حين اندلع إطلاق نار أدى إلى تدافع الناس وسقوط قتلى وجرحى. قال: "مشهد مأساوي: دماء في كل مكان، جرحى، وقتلى".

ووفق الأمم المتحدة، قُتل نحو 1400 فلسطيني منذ 27 مايو/أيار، معظمهم برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء انتظارهم المساعدات. بينما يرد الجيش الإسرائيلي بأن نيرانه "تحذيرية".

عراقيل متعمدة

المنظمات الدولية لم توجّه أصابع الاتهام للواقع فقط، بل إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تعرقل وصول المساعدات، سواء من خلال التأخير في التصاريح أو فرض طرق عبور خطرة أو منع القوافل من التحرك في اللحظات الأخيرة.

يقول مسؤول أممي: "غيّر الجيش الإسرائيلي خطط التحميل في زيكيم فجأة، ما أدى إلى خلط الحمولات وإجبار القافلة على المغادرة دون تأمين كافٍ".

وفي معبر كرم أبو سالم، أُجبرت المنظمات على سلك طرق محفوفة بالمخاطر، بدل الطرق الآمنة إلى المستودعات وسط القطاع.

سرقة منظمة للسلاح الأبيض

عصابات إجرامية صارت لاعبًا بارزًا في هذه الفوضى، تهاجم المستودعات وتنهب الشاحنات، ثم تبيع المساعدات بأسعار خيالية. يقول الباحث محمد شحادة:
"إنها تجربة داروينية لا ينجو فيها إلا من يملك القوة والطاقة، أما الأكثر جوعًا فيُقصَون".

ويضيف رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في غزة، جان-غي فاتو:
"تُرسل العصابات أطفالًا ليموتوا بالرصاص في نقاط التوزيع. لقد أصبحت هذه مهنة جديدة".

في أسواق غزة، يُباع كيس الدقيق بـ400 دولار، ويُشترى فقط من لا يزال لديه ما يدفع.

الموت جوعاً

في ذات الوقت، توفي خمسة أشخاص آخرين بسبب الجوع، أو سوء التغذية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حسبما ذكرت وزارة الصحة في غزة،. ورفعت الوفيات الجديدة عدد الذين لقوا حتفهم جراء الجوع إلى 180 شخصاً، منهم 93 طفلاً، منذ بدء الحرب.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن عمليات الإنزال الجوي للمواد الغذائية غير كافية، وإن إسرائيل يجب أن تسمح بدخول مزيد من المساعدات عن طريق البر، وتسهيل الوصول إليها بسرعة.

وذكرت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية إنه خلال الأسبوع الماضي، دخل إلى غزة أكثر من 23 ألف طن من المساعدات الإنسانية في 1200 شاحنة، لكن مئات الشاحنات لم يتم نقلها بعد إلى مراكز توزيع المساعدات من قبل الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى.