منذ أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت حصار خانق تسبب في أزمة إنسانية حادة، وسط شح في الغذاء والماء والوقود والدواء، وارتفاع مقلق في حالات سوء التغذية والوفيات، خصوصًا بين الأطفال. وفي هذا السياق، برزت جهود مصرية مركزية في تيسير دخول الشاحنات الإنسانية عبر معبر رفح – كرم أبو سالم، رغم الضغوط والعراقيل المتكررة.
وقد أعلنت مصر عن تنسيقها مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لضمان عبور مئات الشاحنات يوميًا، إضافة إلى صهاريج وقود دخلت لغزة لأول مرة منذ أشهر.
وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن دخول المعبر لم يتوقف من الجانب المصري، مشددًا على أن مصر لن تتخلى عن مسؤوليتها في دعم الشعب الفلسطيني
وفي الوقت الذي كانت الإدارة الإسرائيلية تسمح فقط لكميات محدودة من المساعدات بالدخول عبر إسرائيل، نجحت مصر في تأسيس قنوات رئيسية لتدفق شاحنات الأغذية والصحة والإمدادات الطارئة.
ففي يناير 2025، دخلت 180 شاحنة مساعدات و8 صهاريج وقود من معبري العوجا وكرم أبو سالم، ضمن إجمالي 270 شاحنة دخلت في يوم واحد فقط
وقد بلغ مجموع المساعدات المصرية التي دخلت غزة عبر هذه القنوات ملايين الأطنان، شملت الغذاء، الماء، الأدوية، ولوازم النظافة الشخصية، وعربات إسعاف، وصهاريج وقود، تم توزيعها بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري والمؤسسات الإنسانية الدولية مثل الأمم المتحدة وكريم أبو سالم الدولي
في خطوة لتعزيز جهود الإغاثة، نجحت القاهرة – بعد مفاوضات مع إسرائيل – في إدخال معدات ثقيلة هندسية إلى غزة عبر كرم أبو سالم.
وتهدف هذه المعدات إلى إزالة الأنقاض وفتح الطرق، مما يسهل المرور الداخلي للمساعدات وتخفيف عزل المناطق المتضررة والأحياء المنكوبة
وقد نالت هذه الإنجازات الدعم والاعتراف الدولي، حيث رحّب الاتحاد الأوروبي بزيادة الشاحنات العابرة من مصر، وبارك منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي هذه الخطوات باعتبارها خيارات إنقاذية تمهد الطريق لتحسين الوصول الإنساني بغزة
. كما ازدادت المطالب بضرورة تكثيف الضغط على إسرائيل لتوسيع الممرات التدريبية بشكل دائم
أعلنت مصر نقلاً عن قناة “القاهرة الاخبارية ” دخول شاحنتين تحملان 107 أطنان من الديزل إلى غزة – أول شحن وقود كبير منذ مارس 2025 – وهو ما مثّل تحولًا نوعيًا في تغذية المستشفيات والمخابز والمرافق الحيوية داخل القطاع، رغم تأكيد إسرائيل على استمرار شروط صارمة للتحكم في حجم الكميات وأوقات الدخول
في ظل القيود البرية المستمرة، بادرت دول مثل فرنسا وألمانيا إلى تنفيذ إسقاطات جوية للمساعدات على ساحل غزة بهدف إيصال طعام ودواء إلى مناطق يصعب الوصول إليها، لكن الوكالات الدولية أكدت أن هذه الجهود "ليست إلا نقطة في بحر الاحتياجات"، ولا توفر الوقود والماء ضمن الأولويات الأساسية
وفق بيانات وزارة الصحة في غزة، توفي 175 شخصًا بفعل سوء التغذية والجوع منذ بدء الحرب، ضمنهم 93 طفلًا، في وقت ضغطت فيه نقص الوقود على عمل المستشفيات وجعلتها تعمل بطاقة احتياطية فقط للحالات الطارئة. وتواجه غزة خفضًا حادًا في الخدمات الطبية وتوزيع القوت اليومي، وسط استمرار التهديدات الأمنية والهجمات الجوية ما زالت قائمة
على الرغم من الجهود الكبيرة، تعرقل جملة من التحديات فعالية التوصيل:
مصاعب في التنسيق مع الجانب الإسرائيلي وآلية تفتيش مطولة للشاحنات.
مخاوف من عمليات النهب والسرقة أثناء التوزيع.
محدودية الواردات خلال فترات الهجمات أو الإغلاق المفاجئ للمعابر.
غياب توزيع الوقود ضمن الإسقاطات الجوية وأوجه نقص غذائي سريع الفتك بالسكان.
في ظل استمرار التوتر، يُرجح أن مصر ستبقى المحور والداعم الرئيس لاستمرار وصول المساعدات، عبر عملها المتواصل على فتح المعابر وتنظيم القوافل الإنسانية. وتعطي القاهرة أولوية لتجهيز البنية التحتية لإعادة البناء، بما في ذلك إزالة الأنقاض، وتوفير المواد الأساسية دون تهجير السكان.
كما تسعى مصر من خلال ضغطها الدبلوماسي والإقليمي، لتعزيز تقليص العوائق أمام إدخال المواد الأساسية، خاصة بعد التوصل إلى التهدئة الجزئية التي سمحت بدخول القوافل والصهاريج. ويبدو أن استمرار ضغط القاهرة والمجتمع الدولي هو المفتاح لضمان تأمين الغذاء والدواء والوقود في الأشهر القادمة، وتفادي انزلاق غزة إلى كارثة إنسانية لا رجعة عنها.