دراسات وأبحاث

تصعيد نووي رمزي يعيد أجواء الحرب الباردة بين روسيا وواشنطن

الأحد 03 أغسطس 2025 - 12:39 م
ابراهيم ياسر
ميدفيديف يلوّح بنظام "اليد الميتة" في وجه واشنطن
الأمصار

في خطوة أعادت أجواء الحرب الباردة إلى الواجهة وأثارت استنفاراً في الأوساط الدبلوماسية الغربية، أطلق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق، ديميتري ميدفيديف، تصريحات شديدة اللهجة وجّه فيها تحذيراً مبطّناً للولايات المتحدة، مذكّرًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"مدى 

خطورة اليد الميتة الأسطورية"، في إشارة مباشرة إلى نظام الرد النووي الآلي الروسي.

وجاء تصريح ميدفيديف بعد أن تحدث ترامب في إحدى مقابلاته عن "مهلة" محتملة قد يُمهلها لروسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، إذا ما عاد إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات المقبلة.

 تصريح ترامب أثار حفيظة موسكو، خصوصاً أنه جاء ضمن سلسلة من التصريحات التي وصفتها القيادة الروسية بـ"الاستفزازية"، ما دفع ميدفيديف إلى التذكير بواحد من أخطر أنظمة الردع النووي التي طورتها روسيا: "اليد الميتة".

صحيفة تركية: أميركا المستفيد الأكبر من حرب روسيا على أوكرانيا

تصريحات نارية ورد أمريكي سريع

لم يمر تصريح ميدفيديف مرور الكرام في واشنطن، حيث علّق مسؤول في البيت الأبيض على التصريحات قائلاً: "التهديد باستخدام السلاح النووي، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، أمر غير مسؤول ومرفوض".

 وفي تحرك عسكري اعتُبر بمثابة رسالة ردع، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر غواصتين نوويتين في مواقع استراتيجية، في خطوة تنذر بمزيد من التوتر والتصعيد في العلاقات بين البلدين.

تصريحات ميدفيديف أثارت ضجة كبيرة داخل روسيا كذلك، حيث اعتبرتها بعض الأوساط رسالة داخلية موجهة إلى النخبة السياسية والعسكرية لتأكيد جاهزية الردع النووي الروسي، في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة.

"اليد الميتة": من أسطورة الحرب الباردة إلى ورقة ردع معاصرة

نظام "اليد الميتة" (Dead Hand)، المعروف داخل روسيا باسم "بيريمتر" أو "المحيط"، هو نظام آلي تم تطويره في الاتحاد السوفيتي خلال سنوات الحرب الباردة، بهدف ضمان توجيه ضربة نووية انتقامية حتى في حال تم القضاء على القيادة السياسية والعسكرية للبلاد في هجوم مباغت.

وبحسب وكالة "تاس" الروسية الرسمية، فإن النظام يُعد "الضامن الأخير للردع النووي الروسي"، ويعمل بشكل مستقل عن القيادة البشرية، ما يجعله أكثر خطورة ورهبة في حسابات التوازن النووي العالمي.

في تقرير شهير لصحيفة نيويورك تايمز عام 1993، وصفت الصحيفة النظام بأنه "آلة يوم القيامة"، لأنه مصمم لإطلاق الصواريخ النووية بشكل تلقائي، دون الحاجة لتدخل بشري، إذا ما تم التأكد من تدمير مراكز القيادة والسيطرة الروسية بفعل ضربة نووية أولى.

الأحداث السعودية on X: "⚡️"اليد الميتة" ماكينة يوم القيامة الروسية إذا تلقت  #روسيا ضربة نووية ودمرت قيادة البلاد فإن جهاز نظام اليد الميتة يقيس مستوى  الإشعاع ويوجه ضربة انتقامية تلقائيا ثم يتم

هل النظام يعمل فعلاً حتى اليوم؟

الحديث عن "اليد الميتة" ظل محاطًا بالغموض لعقود، لكن في عام 2011، أكد الجنرال سيرغي كاراكاييف، قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية، أن النظام لا يزال "فعالاً وقيد التشغيل"، وأنه يمكن تفعيله عند الضرورة القصوى في حال تعطلت كل وسائل القيادة التقليدية.

كاراكاييف أضاف لاحقاً في تصريحات أخرى، أن النظام تطور بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبح اليوم يتكامل مع أنظمة الإنذار المبكر والأقمار الصناعية، ما يتيح له اكتشاف إطلاق الصواريخ الباليستية في وقت مبكر واتخاذ قرارات تلقائية بالرد خلال دقائق.

كيف يعمل النظام؟

يعتمد "اليد الميتة" على شبكة من المجسات المنتشرة في مواقع مختلفة داخل روسيا، تراقب مؤشرات متعددة مثل الضغط الزلزالي والانفجارات النووية ومستوى الإشعاع، إضافة إلى انقطاع الاتصالات مع القيادة العليا.

في حال تأكد النظام من أن البلاد تعرضت لهجوم نووي شامل وتم تعطيل القيادة المركزية، فإنه يفعّل آليًا صاروخًا خاصًا يطير فوق الأراضي الروسية ويبث أوامر الإطلاق إلى جميع قواعد الصواريخ النووية، البرية والبحرية، وحتى إلى الغواصات المنتشرة في المحيطات.

وبحسب موقع "ميليتاري دوت كوم" الأمريكي، فإن الصاروخ المستخدم في هذه المهمة مزود برؤوس اتصالات عالية التقنية يمكنها اختراق بيئات مشبعة بالتشويش الإلكتروني، ما يجعل النظام قادرًا على العمل حتى في سيناريوهات حرب إلكترونية شاملة.

غازيتا: لهذا تحتاج روسيا إلى اختبار القوى النووية | سياسة | الجزيرة نت

تحديثات وتطورات جديدة

وفق تقارير روسية حديثة من بينها ما نشرته وكالة "سبوتنيك"، فإن نظام "اليد الميتة" خضع لعدة تحديثات خلال السنوات الأخيرة، ليتواءم مع التكنولوجيا الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعي، كما تم ربطه مباشرة بأنظمة الإنذار الفضائي الروسية.

كاراكاييف أكّد أن النظام "قادر على تدمير الولايات المتحدة خلال نصف ساعة"، لكنه أشار إلى أن هذا السيناريو "غير مرجح"، وأن موسكو وواشنطن رغم التوتر لا تسعيان فعليًا لتدمير بعضهما البعض.

تهديد حقيقي أم رسالة سياسية؟

يرى مراقبون أن تصريحات ميدفيديف تأتي في إطار الحرب النفسية والتراشق الكلامي الذي تصاعد مؤخرًا بين الولايات المتحدة وروسيا، أكثر من كونها تهديدًا حقيقيًا باستخدام السلاح النووي. ومع ذلك، فإن مجرد التلويح بنظام مثل "اليد الميتة" يعكس تصعيدًا خطابيًا غير مسبوق، يحمل في طياته رسالة مفادها أن موسكو لن تتهاون في حماية مصالحها الاستراتيجية، حتى وإن كان الثمن إعادة العالم إلى أجواء الرعب النووي.

وتعليقاً على الموقف، قالت إيلينا سوبونينا، مستشارة مركز الدراسات الدولية في موسكو، إن "تصريحات ميدفيديف تحمل أبعادًا سياسية وعسكرية خطيرة، لكنها أيضًا تأتي في وقت تسعى فيه وزارة الخارجية الروسية، بقيادة سيرغي لافروف، لفتح نوافذ للحوار مع واشنطن".

وأكدت سوبونينا أن روسيا لا تسعى لصدام مباشر مع الولايات المتحدة، لكنها لن تتراجع أمام التهديدات أو الضغوط، معتبرة أن "اليد الميتة" ليست فقط نظام ردع عسكري، بل أيضًا ورقة استراتيجية تُستخدم في الحرب السياسية والإعلامية القائمة بين القوى الكبرى.

شاهد.. حجم الدمار فى العالم حال نشوب حرب نووية بين روسيا و أمريكا - اليوم  السابع

ختامًا: رسائل مشفّرة بلغة الرعب

في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، وتفاقم التوتر في العلاقات بين موسكو والغرب، تبقى أنظمة مثل "اليد الميتة" في صلب الجدل حول توازن الرعب النووي، وتوازن الردع الاستراتيجي. وبينما يتبادل الطرفان الاتهامات والتصريحات النارية، فإن التذكير بوجود مثل هذا النظام يوجه رسالة واضحة: العالم لا يزال يعيش في ظل شبح الردع النووي، وأن العودة إلى طاولة المفاوضات، رغم صعوبتها، تبقى الخيار الوحيد لتجنب "الزر الأخير".