دراسات وأبحاث

بغداد تلوح بالوثائق بوجه طهران.. أزمة تهريب النفط تتصاعد وتفتح باب العقوبات

الأحد 03 أغسطس 2025 - 12:17 ص
مصطفى سيد
الأمصار

في خطوة دبلوماسية لاحتواء أزمة متفاقمة، أوفد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وزير الكهرباء زياد علي فاضل إلى طهران، حاملاً رسالة رسمية وملفاً يحتوي على وثائق استخباراتية تؤكد تورط إيران في عمليات تهريب مشتقات نفطية محظورة من العراق عبر موانئه الجنوبية، في خرق محتمل للعقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الإيراني.

وبحسب مصادر حكومية عراقية تحدّثت لـ"العين الإخبارية"، فإن زيارة فاضل، التي بدأت الجمعة، جاءت في أعقاب تحقيقات أجراها جهاز المخابرات الوطني، كشفت عن تورط جهات مرتبطة بوزارة النفط الإيرانية في تهريب نفط عبر شبكة معقدة داخل العراق، بمساعدة فصائل مسلحة تُتهم بتوفير الدعم اللوجستي لتسهيل حركة الناقلات وعبورها إلى المياه الإقليمية.

رسائل تحذير إلى طهران

وتضمنت الرسالة العراقية، وفق المصادر، تحذيراً مباشراً من مغبة استغلال الأراضي والموانئ العراقية في عمليات تهريب غير قانونية، قد تضع بغداد تحت طائلة عقوبات دولية، خاصة بعد رصد نشاط متزايد لناقلات بحرية تعمل بـ"وضعية الصمت"، وتُخفي هويتها عن أنظمة التتبع، أثناء تحميل الشحنات من موانئ "أم قصر" و"خور الزبير"، ثم تغيير أعلامها وتفريغ الحمولة في عرض البحر، ما يعدّ مخالفة جسيمة للقانون الدولي البحري.

شركة "سومو" في دائرة الاتهام

وفي تطور موازٍ، تناقلت وسائل إعلام محلية وثائق مسرّبة من شركة تسويق النفط العراقية الحكومية "سومو"، تطالب فيها الجهات الأمنية بمتابعة ناقلات غير معروفة الهوية تعمل خارج المسارات الرسمية. ورغم نفي سومو القاطع لوجود أي نشاط تهريب أو خلط بين النفط العراقي والنفط الإيراني، إلا أن تسريب الوثائق زاد من الضغوط النيابية والشعبية، خاصة أن التحقيقات تشير إلى تساهل الشركة في رصد هذه الأنشطة.

توضيحات حكومية واتهامات مضادة

وأصدرت وزارة النفط وشركة سومو عدة بيانات توضيحية، أكدت فيها أن الوثائق المسربة جزء من روتين تتبّعي متكرر للناقلات، يتم بموجبه إخطار الأجهزة الأمنية بكل حالة اشتباه.

وأوضحت الوزارة أن هناك مجموعتين من الناقلات: الأولى تُشتبه في محاولتها إخفاء مواقعها، والثانية لا تظهر ضمن قواعد البيانات العالمية، وربما تستخدم لأغراض أخرى، ما دفع السلطات إلى إطلاق تحرٍّ شامل لتحديد نشاطها الفعلي.

سومو شددت على استحالة حدوث عمليات خلط أو تهريب ضمن المنظومة التصديرية الرسمية، مشيرة إلى التزامها الكامل بالمعايير الدولية، داعية وسائل الإعلام إلى توخي الحذر في تفسير الوثائق دون الرجوع إلى الجهات المعنية.

وساطة عراقية لتفادي العقوبات

مصادر عراقية أكدت أن السوداني يسعى عبر هذه الوساطة المباشرة إلى نزع فتيل التوتر مع الولايات المتحدة، والحيلولة دون فرض عقوبات محتملة قد تُكبّل الاقتصاد العراقي، خاصة قطاع الطاقة الحساس الذي يعتمد بشكل كبير على التعاون الإقليمي والدولي.

وتشير الوثائق الأمنية إلى أن الشبكات المتورطة في التهريب تستخدم تقنيات متقدمة لإخفاء مسارات الناقلات، وتغيير إشارات نظام الملاحة "GPS"، ما يجعل رصدها تحدياً أمنياً، ويضع العراق في موقف حرج أمام شركائه الدوليين.

غياب التعليق الإيراني

وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الإيراني بشأن الزيارة أو الاتهامات الموجهة إليه، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات داخل البرلمان العراقي من تعرض مؤسسات الطاقة لعقوبات دولية قد تؤثر على صادرات البلاد النفطية والمعاملات البنكية المرتبطة بها.

وتبقى الأزمة مفتوحة على كل السيناريوهات، في ظل سعي بغداد لتثبيت سيادتها على موانئها وحدودها البحرية، ومنع تحوّلها إلى منصة لخرق العقوبات الدولية أو ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

بالطبع، إليك تقريرًا صحفيًا منسقًا على شكل فقرات متكاملة، يتناول أوضاع النفط في العراق ويستعرض الجوانب الاقتصادية، والتحديات السياسية، والبنية التحتية، بالإضافة إلى التوزيع الداخلي والجدل حول التهريب:

النفط في العراق: عصب الاقتصاد في قلب الأزمات

ويُعد العراق من أبرز الدول المنتجة والمصدّرة للنفط في العالم، إذ يعتمد اقتصاده بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية التي تشكّل أكثر من 90% من موازنته العامة. 

ويأتي ترتيبه كثاني أكبر منتج في منظمة أوبك بعد السعودية، بمتوسط إنتاج يتجاوز 4.4 ملايين برميل يوميًا، منها أكثر من 3.2 ملايين برميل تُصدّر عبر موانئ البصرة جنوبي البلاد.

التوزيع الداخلي والتكرير: فجوة بين الإنتاج والاستهلاك

رغم الإنتاج الضخم، يعاني العراق من فجوة واضحة بين قدراته التكريرية واحتياجاته الاستهلاكية. إذ يقدّر حجم الاستهلاك المحلي اليومي بحوالي 600 ألف برميل، فيما تبلغ الطاقة الفعلية للمصافي ما يقرب من 1.3 مليون برميل يوميًا، لكنها لا تفي بتلبية الطلب الكامل، ما يضطر الدولة إلى استيراد المشتقات النفطية، وخاصة البنزين والغاز السائل.

وقد أعلنت الحكومة في وقت سابق عن خطط لتوسعة مصافيها، خصوصًا في البصرة وكركوك، بالتعاون مع شركات عالمية مثل Halliburton وPetroChina، من أجل تحسين الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي.

العراق وكردستان.. صراع الأنابيب والتسويات المؤجلة

وتشهد العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان توترًا مستمرًا بشأن إدارة وتصدير النفط. ففي مارس 2023، توقفت صادرات نفط الإقليم عبر خط أنابيب كركوك–جيهان المار بتركيا، بقرار قضائي صادر عن المحكمة الدولية، ما أدى إلى فقدان العراق نحو 400 ألف برميل يوميًا من صادراته.

ورغم المحاولات المستمرة للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، إلا أن الخلافات حول الإيرادات وآلية التصدير ما زالت تشكّل عائقًا، وسط ضغوط دولية لاستعادة التدفقات النفطية في أقرب وقت.

ملف التهريب والضغوط الدولية

مؤخرًا، تفجّرت أزمة جديدة بعدما كشفت جهات أمنية عراقية عن عمليات تهريب واسعة لمشتقات نفطية عبر موانئ "أم قصر" و"خور الزبير"، باستخدام أساليب تمويه متقدمة مثل تغيير أعلام السفن وإخفاء هويتها. وتشير تقارير استخباراتية إلى تورط شبكات داخلية وخارجية، من بينها عناصر ترتبط بإيران، ما دفع بغداد إلى إرسال مذكرة احتجاج رسمي إلى طهران.

ويُخشى أن تؤدي هذه العمليات إلى تعريض العراق لعقوبات دولية، خاصة من جانب الولايات المتحدة، التي تراقب عن كثب مسار الأموال والتصدير في المنطقة. وقد أكدت الحكومة العراقية، عبر وزارة النفط وشركة التسويق "سومو"، أن إجراءاتها الرقابية مستمرة، وأنها ترفض أي خروقات تهدد أمنها الاقتصادي وسيادتها الوطنية.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم كل التحديات، يبقى قطاع النفط في العراق محوريًا لأي خطة اقتصادية مستقبلية. ومع تزايد الطلب العالمي وارتفاع أسعار الخام، تسعى بغداد لتعظيم إنتاجها من خلال تطوير الحقول العملاقة مثل "غرب القرنة"، و"الرميلة"، و"نهر بن عمر"، وتحديث البنية التحتية المتهالكة.

لكن النجاح في ذلك مرتبط بقدرة الدولة على مواجهة الفساد، وضبط التهريب، وتهدئة النزاعات الداخلية مع إقليم كردستان، وتحقيق توازن دقيق في علاقاتها مع كل من إيران والولايات المتحدة.