تشهد مصر منعطفاً سياسياً بالغ الأهمية مع انطلاق انتخابات مجلس الشيوخ 2025، التي تأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية استثنائية.
وهذه الانتخابات ليست مجرد استحقاق دستوري روتيني، بل تمثل اختباراً حقيقياً لمدى نضج الحياة الحزبية وتطور الممارسة الديمقراطية في البلاد. تجري العملية الانتخابية على مرحلتين: تصويت المصريين في الخارج يومي 1-2 أغسطس، يليه التصويت الداخلي يومي 4-5 أغسطس، تحت إشراف قضائي كامل ومتابعة محلية ودولية مكثفة.
وينظم العملية الانتخابية القانون رقم 141 لسنة 2020 المعدل، الذي جاء بعد سلسلة من الحوارات المجتمعية الواسعة. ينص الدستور المصري على أن مجلس الشيوخ يتكون من 300 عضو، يتم اختيارهم وفقاً لثلاث آليات مختلفة:
1. 100 عضو يعينهم رئيس الجمهورية من الخبراء والمتخصصين
2. 100 عضو ينتخبون بنظام القوائم النسبية المغلقة
3. 100 عضو ينتخبون بالنظام الفردي بالأغلبية البسيطة
أحدث التعديل الدستوري الأخير تغييرات جوهرية في صلاحيات المجلس، حيث أصبح يمارس دوراً رقابياً وتشريعياً أكثر فاعلية، خاصة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي.
كما منح التعديل الحق للمجلس في استجواب الوزراء ومناقشة بيان رئيس مجلس الوزراء.
وتنقسم الساحة السياسية المصرية إلى ثلاثة محاور رئيسية تتنافس في هذه الانتخابات:
1. التحالف الوطني (القائمة الموحدة "من أجل مصر"):
- يضم 12 حزباً سياسياً تمثل الطيف السياسي الرئيسي
- يقوده حزب مستقبل وطن بـ44 مرشحاً
- يشمل أحزاباً جديدة مثل "حماة الوطن" و"الجبهة الوطنية"
- يتميز ببرنامج انتخابي يركز على استكمال مسار الإصلاحات الاقتصادية
2. تحالف الطريق الديمقراطي:
- يضم 4 أحزاب وسطية رئيسية
- يركز على برنامج إصلاحي شامل
- يقوده حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
- يتبنى خطاباً معتدلاً ويركز على قضايا الحريات والحوكمة
3. التيار المستقل:
- 186 مرشحاً مستقلاً
- يشهد تنافساً محموماً في الدوائر الفردية
- يضم شخصيات عامة وشبابية بارزة
- يتميز بغياب الانتماء الحزبي والتركيز على القضايا المحلية
بذلت الدولة المصرية جهوداً غير مسبوقة لضمان نزاهة وسلاسة العملية الانتخابية:
- تم تجهيز 11,340 لجنة انتخابية في جميع أنحاء الجمهورية
- نشر 85 ألف ضابط وشرطي لتأمين العملية الانتخابية
- تخصيص خط ساخن (16199) للتبليغ عن أي مخالفات
- استخدام أنظمة التكنولوجيا الحديثة في عملية الفرز والعد
- تدريب أكثر من 60 ألف عضو لجان على الإجراءات الانتخابية
- توفير كافة التسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن
يشارك في مراقبة الانتخابات أكثر من 90 منظمة مجتمع مدني محلية ودولية، بالإضافة إلى:
- 1500 مراقب دولي معتمد
- 5000 مراقب محلي من منظمات المجتمع المدني
- ممثلين عن وسائل الإعلام المحلية والعالمية
- مراكز مراقبة تابعة للأحزاب السياسية
التحديات:
- تعزيز المشاركة الشعبية وزيادة الإقبال الانتخابي
- مواجهة الشائعات والمعلومات المغلوطة
- ضمان الشفافية الكاملة في جميع مراحل العملية
- التصدي لمحاولات التأثير على الناخبين
الفرص:
- تجديد النخب السياسية وإدماج الشباب
- تعزيز التعددية السياسية والحزبية
- تعميق الممارسة الديمقراطية
- تعزيز ثقة المواطنين في العملية السياسية
- إثراء الحياة البرلمانية بخبرات جديدة
وتمثل انتخابات مجلس الشيوخ 2025 محطة محورية في المسار الديمقراطي المصري، حيث تسهم في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز المشاركة السياسية الفاعلة.
تأتي هذه الانتخابات في وقت تشتد فيه الحاجة إلى توحيد الصفوف لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تعصف بالمنطقة.
ويُنتظر أن تخرج العملية الانتخابية بمجلس يمثل كافة فئات الشعب المصري، ويعكس التوجه العام للدولة نحو الاستقرار والتنمية المستدامة.
وهذه الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، بل خطوة في مسار أطول نحو تعزيز الديمقراطية التمثيلية وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد.