دراسات وأبحاث

حرب الظل بين إسرائيل وإيران تشتد ضراوة..قلق دولي من انفجار المواجهة علنًا

الجمعة 01 أغسطس 2025 - 08:34 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

منذ سنوات، تخوض إسرائيل وإيران ما يُعرف بـ"حرب الظل"، وهي صراع غير تقليدي يتجاوز حدود المواجهات المباشرة، ويشمل هجمات إلكترونية، اغتيالات، عمليات تخريب، وتسريبات استخباراتية. 

هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟ - BBC News عربي

ورغم أن هذه الحرب بقيت غالبًا في نطاق العمليات السرية، إلا أن وتيرتها ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة بصورة تنذر بخروجها إلى العلن، وسط تقارير استخباراتية تتحدث عن إمكانية قيام إسرائيل بضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

تصاعد الهجمات السيبرانية بين الطرفين

خلال الأسابيع الماضية، شهدت الحرب الإلكترونية بين إيران وإسرائيل تصعيدًا غير مسبوق.

 فقد أعلنت مجموعة قرصنة إيرانية تُعرف باسم "جبهة إسناد"، عن تنفيذ هجوم سيبراني اخترق أنظمة شركة "ماناميم القابضة"، وهي شركة إسرائيلية رئيسية تزود الجيش في غزة بالمواد الغذائية والدعم اللوجستي. 

ونشرت وكالة "تسنيم" الإيرانية، المقرّبة من الحرس الثوري، هذه المعلومات مشيرة إلى أن الهدف من العملية هو تقويض الجهود اللوجستية الإسرائيلية في جبهات القتال.

في السياق ذاته، أكدت وكالة "مهر" الإيرانية أن الهجوم لم يكن معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة من العمليات التي تشنها "جبهة إسناد"، والتي تأسست رسميًا عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله في يونيو الماضي.

 ووفق تقارير استخباراتية غربية، فإن هذه الهجمات تعكس تنسيقًا محكمًا بين الأذرع الإلكترونية الإيرانية ومجتمع الاستخبارات، مما يعزز قدرة طهران على خوض حرب معلوماتية طويلة الأمد.

من جهتها، لم تلتزم إسرائيل الصمت، بل صعّدت هجماتها الإلكترونية أيضًا، خاصة تلك التي تستهدف البنية التحتية الحيوية في إيران، مثل شبكات الكهرباء والمصانع الحساسة، مما يعمّق من أجواء التوتر في المنطقة.

إيران وإسرائيل.. تبادل التهديدات

حرائق وانفجارات غامضة داخل إيران

في موازاة التصعيد السيبراني، تكررت في إيران سلسلة من الحوادث الغامضة التي شملت حرائق وانفجارات في منشآت استراتيجية، خصوصًا في محافظتي خراسان وخوزستان. 

ففي 14 يوليو، اندلع حريق كبير في مطار مدينة مشهد، أعقبه انفجار آخر قرب مستشفى في المدينة ذاتها، وسط تكتم رسمي وإشارات إلى أن السبب هو "حرق الأعشاب الضارة"، بحسب بيان صادر عن مطارات محافظة خراسان.

بعد خمسة أيام فقط، اندلع حريق هائل في مصفاة عبادان، وهي واحدة من أهم المنشآت النفطية في إيران. 

وأسفر الحادث عن مقتل عامل وإصابة آخرين. وأعلنت وكالة "إرنا" الرسمية أن الحادث نجم عن "تسرب في إحدى المضخات"، لكن مصادر غربية تحدثت عن احتمال تعرض المنشأة لهجوم تخريبي.

هذا النوع من الحوادث ليس جديدًا، فقد شهدت إيران خلال السنوات الماضية انفجارات مماثلة في منشآت نووية مثل "نطنز"، يُعتقد أن إسرائيل كانت وراءها. ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مسؤولين إيرانيين، بالإضافة إلى دبلوماسيين أوروبيين، يرون أن العديد من هذه الحوادث هي عمليات منظمة تستهدف إضعاف القدرات الصناعية والعسكرية الإيرانية.

النووي الإيراني في قلب المواجهة

في ظل هذه التطورات، يبقى البرنامج النووي الإيراني نقطة الاحتكاك الرئيسية بين طهران وتل أبيب. إذ تُبدي إسرائيل قلقًا متزايدًا من التقدم الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم، وتعتبره تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي.

وفق تقارير أمريكية، فإن هناك مخاوف جدّية من أن تُقدم إسرائيل على تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد المنشآت النووية الإيرانية في أي لحظة، خصوصًا مع اقتراب إيران من العتبة النووية، أي القدرة على إنتاج سلاح نووي في وقت قصير دون الحاجة لإعلانه رسميًا.

في المقابل، لا تزال إيران تُبقي الباب مواربًا أمام العودة إلى طاولة المفاوضات النووية. فقد صرح نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بأن التفاوض لا يزال ممكنًا، لكن "المجال يضيق". وأوضح أن هناك تيارًا داخليًا يعارض بشدة العودة للمفاوضات، ويشكّك في جدوى التفاهم مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.

وأشار عراقجي إلى أن "طريق التفاوض ضيّق لكنه ليس مستحيلًا"، مضيفًا أنه يسعى لإقناع القيادة الإيرانية بأن أي عودة للمحادثات يجب أن تكون مدعومة بنوايا حقيقية من الطرف المقابل.

هل تتحول حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى حرب تقليدية؟ سيناريوهات الاشتباك:  المقومات والنتائج | مركز الجزيرة للدراسات

إيران تشترط... وأمريكا تفرض العقوبات

رغم نبرة المرونة التي أظهرها بعض المسؤولين الإيرانيين، فإن طهران وضعت شروطًا لعودة التفاوض، أبرزها أن تدفع إسرائيل تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الإيرانية خلال الحرب الأخيرة. وهو شرط يعكس إلى حد بعيد حجم التأزم في العلاقة بين طهران وواشنطن، خاصة في ظل دعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل.

بالتزامن، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء الماضي، عن أكبر حزمة عقوبات ضد إيران منذ عام 2018، استهدفت عشرات الشركات والأفراد المرتبطين بصناعات النفط والطاقة، بالإضافة إلى كيانات يُشتبه بتمويلها للحرس الثوري.

وقد نددت وزارة الخارجية الإيرانية بهذه الخطوة، واعتبرتها تصعيدًا غير مبرر يقوّض أي فرص للعودة إلى الاتفاق النووي. كما تصاعدت أصوات المحافظين داخل إيران الرافضة لفكرة التفاوض مع الغرب، واصفين إياها بـ"الفخ الذي يخدم فقط المصالح الإسرائيلية".

انفجارات وحرائق.. حرب الاستخبارات السرية بين إيران وإسرائيل بدأت | سياسة |  الجزيرة نت

هل تخرج حرب الظل إلى العلن؟

مع استمرار التوترات وتصاعد عمليات القرصنة، والتخريب، والتجسس، تبدو كل المؤشرات مهيأة لانفجار مواجهة مباشرة، قد تبدأ بهجوم مفاجئ من أحد الطرفين ضد الآخر، خصوصًا إذا تكررت الهجمات على المنشآت النووية أو العسكرية.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى لإبقاء المواجهة ضمن حدود "الضربات الدقيقة" لتفادي رد إيراني شامل من وكلاء طهران في المنطقة كحزب الله أو الحوثيين. في المقابل، تسعى إيران لاستنزاف إسرائيل دون الانجرار إلى حرب شاملة قد تُضعف الداخل الإيراني أكثر مما تفيده.

بين الهجمات السيبرانية، والحرائق الغامضة، والعقوبات، والتصريحات المتصاعدة، تترنح المنطقة فوق خط زمني هش قد ينفجر في أي لحظة. فحرب الظل بين إسرائيل وإيران باتت أكثر شراسة، وأقرب من أي وقت مضى للتحول إلى مواجهة مفتوحة. وكلما طال أمد هذا الصراع غير المعلن، زادت المخاطر وقلّت فرص الحلول السياسية والدبلوماسية.