دخل الكنيست الإسرائيلي، في عطلة رسمية تستمر لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بعد اختتام دورته الصيفية، على أن يُستأنف نشاطه في 19 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتطرح هذه الإجازة البرلمانية الطويلة تساؤلات مهمة حول إمكانية أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الفراغ المؤسسي لإجراء تحركات سياسية أو أمنية حاسمة، لا سيما فيما يتعلق بمسار الحرب الجارية في قطاع غزة، والتي دخلت شهرها العاشر دون أفق واضح للحسم.
من الناحية القانونية والسياسية، تُعتبر عطلة الكنيست فرصة لرئيس الحكومة لتوسيع مساحة المناورة السياسية، حيث يتوقف نشاط الهيئة التشريعية وتتعطل لجانها، باستثناء حالات الطوارئ التي تتطلب عقد جلسات استثنائية بناءً على طلب رسمي.
وبهذا، يجد نتنياهو نفسه في موقع يسمح له بالتحرك بحرية أكبر، خاصة في ظل تراجع الضغط الرقابي المباشر من أعضاء الكنيست، بمن فيهم المتشددون داخل حكومته.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن نتنياهو قد يستخدم هذه الفترة لمتابعة مسار التهدئة مع حركة حماس بعيدًا عن ضغوط شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين يرفضون بشكل قاطع أي هدنة طويلة الأمد، أو أي تفاهمات تُفضي إلى وقف الحرب قبل "تحقيق النصر الكامل"، بحسب تعبيرهم.
ورغم إعلان انسحاب الوفدين الإسرائيلي والأمريكي مؤخرًا من مفاوضات الدوحة، وتلميحات من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول مستقبل العلاقة مع حماس، إلا أن الوساطة الدولية لم تصل بعد إلى طريق مسدود.
ووفقًا لمصادر مطلعة، لا تزال الاتصالات قائمة خلف الكواليس، بانتظار رد رسمي من إسرائيل على مقترحات قدمها الوفد الفلسطيني للوسطاء، خاصة مصر وقطر والولايات المتحدة.
وأكدت تلك المصادر أن الرد الإسرائيلي قد يُرسل في أي لحظة، في موعد أقصاه يومان، وهو ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام احتمال حدوث اختراق في الملف التفاوضي خلال عطلة الكنيست.
وخلال الجولة الأخيرة من المحادثات، والتي استمرت نحو 18 يومًا في الدوحة، تمكن الوسطاء من تضييق هوة الخلافات بين الطرفين بشأن عدد من النقاط الأساسية، من أبرزها إدخال المساعدات الإنسانية، إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، وتحديد فترة التهدئة الأولية، والتي قد تمتد إلى 60 يومًا، تتخللها مفاوضات غير مباشرة إضافية.
رغم التقدم النسبي، لا يزال ملف تبادل الأسرى يشكل العقبة الأكبر أمام التوصل إلى اتفاق شامل. إلا أن الوسطاء يؤكدون أن معظم العقبات قد تم تجاوزها، وأن بعض التصريحات الإسرائيلية الأخيرة الرافضة للتهدئة ليست سوى مناورات تكتيكية هدفها كسب الوقت، إلى حين دخول الكنيست في عطلته، حيث تنخفض قدرة خصوم نتنياهو داخل الحكومة والبرلمان على معارضة خطواته السياسية.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن وسطاء التهدئة أبدوا انزعاجهم من مماطلة نتنياهو في اتخاذ قرار نهائي، مشيرين إلى أنه ربما يفضل البت في الاتفاق خلال فترة غياب الكنيست، ما يجنّبه الاصطدام الفوري مع اليمين المتطرف، الذي يهدد مرارًا بتفكيك الائتلاف إذا ما تم التوصل إلى تهدئة مع حماس قبل "القضاء عليها".
من الناحية الدستورية، لا ينعقد الكنيست خلال عطلاته إلا بطلب خاص لجلسة طارئة، كما يُجمّد تقديم مشاريع القوانين الجديدة أو إجراءات حجب الثقة عن الحكومة.
حتى لجان الكنيست الرئيسية، مثل لجنة الخارجية والأمن، تعمل خلال العطلة بتشكيل مصغّر ومن دون صلاحيات تشريعية كاملة.
هذا ما يجعل من عطلة الكنيست، في الواقع، درعًا سياسيا لنتنياهو أمام أي محاولات محتملة من حلفائه المتطرفين للانقلاب عليه.
فعلى سبيل المثال، لا يستطيع الوزير إيتمار بن غفير أو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش التقدم بمقترحات لسحب الثقة من الحكومة أو عرقلة أي تفاهمات يعقدها نتنياهو مع الوسطاء الدوليين خلال هذه الفترة.
وإذا كانا يرغبان في التعبير عن غضبهما، فلن يكون ذلك من خلال القنوات البرلمانية الرسمية، بل عبر الإعلام أو احتجاجات سياسية، لا تُغير من واقع توازن القوى داخل الحكومة حتى نهاية العطلة البرلمانية.
إجمالًا، يواجه نتنياهو معادلة معقدة: من جهة، يدرك أن استمرار الحرب إلى أجل غير معلوم سيُضعف إسرائيل على الصعيد الدولي، وسيُضاعف الضغط الأمريكي عليه، ويُفاقم أزمة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، فضلًا عن تفاقم الأوضاع في الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان.
ومن جهة أخرى، يخشى من رد فعل شركائه داخل الائتلاف إذا قرر المضي قدمًا في اتفاق تهدئة لا يتضمن حسمًا عسكريًا.
وبين هذا وذاك، قد تُوفر عطلة الكنيست مخرجًا مرحليًا لرئيس الوزراء، يتيح له تمرير تفاهم أولي أو هدنة مؤقتة، تحت غطاء غياب الرقابة التشريعية، على أمل ترتيب البيت الداخلي قبل عودة البرلمان في أكتوبر.
تُعد عطلة الكنيست الحالية، التي تمتد حتى منتصف الخريف، واحدة من أطول فترات الفراغ السياسي في إسرائيل خلال زمن الحرب. وبينما يرى البعض فيها فرصة لإحراز تقدم سياسي بعيدًا عن الضغوط، يُحذر آخرون من أن تُستغل لمناورات تكتيكية قد تُفاقم الانقسامات الداخلية وتُطيل أمد الحرب.
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان نتنياهو سيستخدم هذه الفرصة لدفع عجلة التهدئة، أو إذا كان سيواصل سياسة الانتظار والمراوغة بانتظار لحظة أكثر ملاءمة سياسيًا.