دراسات وأبحاث

هدنة بين ترامب وماسك.. الاقتصاد أولًا والمعركة مؤجلة

السبت 26 يوليو 2025 - 07:37 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في خطوة مفاجئة أعادت ترتيب المشهد بين اثنين من أبرز الشخصيات العامة في الولايات المتحدة، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نبرته التصعيدية تجاه رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك، بعد أيام من توتر واضح وتصريحات وصفت بالعدائية.

أول خلاف بين ماسك وترامب.. لماذا شكك في مشروع الـ500 مليار؟ | سكاي نيوز  عربية

 التراجع السريع والمفاجئ من ترامب أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والاقتصادية، خصوصًا أنه يأتي وسط احتدام المنافسة الانتخابية، واشتداد الصراع التكنولوجي والاقتصادي بين واشنطن وبكين.

بداية الخلاف

بدأ التوتر بين ترامب وماسك خلال الأشهر الماضية، بعد أن عبّر ماسك علنًا عن انتقاداته لبعض سياسات ترامب الاقتصادية والبيئية، خاصة المتعلقة بالطاقة التقليدية، والهجرة، ودور الحكومة الفيدرالية في دعم الابتكار. في المقابل، لم يتردد ترامب في إطلاق إشارات تهديد مبطنة، ملوحًا بإمكانية سحب الدعم الحكومي من شركات ماسك العملاقة مثل "تسلا"، "سبيس إكس"، و"ستارلينك"، وهي شركات تحظى بعقود ضخمة مع الحكومة الأمريكية وتلعب دورًا استراتيجيًا في عدة مجالات حيوية.

لكن التصعيد لم يدم طويلًا. فبعد أيام قليلة فقط، هدأ ترامب من لهجته وقال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أمريكية:
"يقول الجميع إنني سأدمّر شركات إيلون عبر سحب الدعم، لكن هذا غير صحيح. أريد لشركاته أن تزدهر، كما أريد الازدهار لكل الشركات في بلدنا."

حسابات اقتصادية دقيقة

بحسب محللين وخبراء، فإن تراجع ترامب لم يكن مجرد رد فعل مزاجي أو خطوة تكتيكية مؤقتة، بل جاء نتيجة تقدير دقيق للضرر المحتمل من مهاجمة شخصية ذات تأثير عالمي مثل إيلون ماسك. فالملياردير الجنوب إفريقي الأصل يمتلك استثمارات كبرى في قطاعات تشكل العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي الحديث، من السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، إلى الفضاء والذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية.

يقول أحمد محارم، المحلل السياسي المقيم في نيويورك، إن ترامب واجه معضلة حقيقية:
"كان عليه أن يختار بين تصفية حساب شخصي، أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في فترة حساسة. لقد أدرك أنه لا يمكنه خوض حرب مع ماسك دون أن يدفع الاقتصاد الأمريكي الثمن."

ترامب وماسك يدخلان في سجال علني ناري بعد انهيار تحالفهما

الصين تراقب وتتحرك

من بين أبرز أسباب التراجع، بحسب تقارير متعددة، المخاوف الأمريكية من أن يؤدي التصعيد مع ماسك إلى دفعه نحو تعميق علاقاته مع الصين. فالعلاقات بين ماسك وبكين شهدت نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع افتتاح مصانع "تسلا" في شنغهاي، وتعزيز الشراكات مع شركات صينية في مجالات البطاريات والتكنولوجيا.

وأشارت مصادر داخل وزارة التجارة الأمريكية إلى أن جهات أمنية حذّرت الإدارة من إمكانية أن تستغل الصين خلاف ترامب مع ماسك لضم الأخير إلى معسكرها السياسي أو الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى نقل تقنيات حساسة أو رؤوس أموال ضخمة خارج البلاد.

ويعلق المحلل نبيه واصف على هذه النقطة بالقول:
"الصين كانت تتابع باهتمام بالغ الخلاف بين ترامب وماسك، وربما حتى سارعت إلى فتح قنوات اتصال مع ماسك في ذروة الأزمة، على أمل كسبه إلى صفها. لذلك، فإن التهدئة من جانب ترامب لم تكن مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية."

ترامب - ماسك: حكاية "حب" انتهت بتغريدة! - ASAS Media

تحذيرات من الداخل الجمهوري

التراجع لم يأتِ فقط بفعل الضغط الخارجي أو الحسابات الاقتصادية. فداخل الحزب الجمهوري نفسه، تصاعدت أصوات تنبه ترامب إلى خطورة الاستمرار في التصعيد مع ماسك، خاصة أن الأخير يحظى بشعبية كبيرة داخل الأوساط المحافظة، ويُنظر إليه بوصفه نموذجًا لـ"الرأسمالي العصامي" الذي بنى نجاحه بعيدًا عن الدولة.

وقد كشفت مصادر إعلامية مقربة من الحملة الجمهورية أن بعض مستشاري ترامب نقلوا إليه تقارير تفيد بأن الهجوم على ماسك قد يُستخدم ضده انتخابيًا، وقد يؤدي إلى انقسام داخل القاعدة الجمهورية، خصوصًا بين رواد الأعمال والمستثمرين الشباب الذين يرون في ماسك رمزًا للتقدم والابتكار.

تهدئة ذكية من الطرفين

من جانبه، تصرّف ماسك بحكمة، ولم يدخل في مواجهة مباشرة مع ترامب، رغم قدرته على ذلك، فقد حافظ على خطاب متزن، وتجنب الانجرار وراء الاستفزاز، ما سهل عملية التراجع من جانب الرئيس دون أن تبدو كتنازل كبير.

ويشير أحمد محارم إلى أن ماسك "أدار الأزمة بذكاء، فهو لم يظهر كخصم علني لترامب، لكنه أرسل رسائل واضحة بأن له وزنًا دوليًا وقدرة على المناورة، سواء عبر الاستثمارات أو التأثير الإعلامي والتكنولوجي."

تقرير: لقاء بين ترامب وماسك من أجل "منصب رفيع" | سكاي نيوز عربية

ورقة الحزب الثالث

من العوامل التي زادت من ضغط الأزمة، تهديدات غير مباشرة من ماسك بإمكانية الدخول في الحياة السياسية بشكل أكثر مباشرة، بل وظهرت تسريبات تفيد بأنه يدرس دعم أو حتى تأسيس حزب ثالث. خطوة كهذه قد تكون مزلزلة للنظام السياسي الأمريكي القائم على الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وبحسب الخبير نبيه واصف:
"احتمال دخول ماسك في المعادلة السياسية بصورة فاعلة كاد أن يُربك المعسكر الجمهوري بأكمله، ويقلب الطاولة على ترامب. لذلك كان لا بد من احتواء الأزمة، لا تضخيمها."

التراجع لم يكن ضعفًا.. بل ذكاءً

في نهاية المطاف، كان تراجع ترامب عن مهاجمة ماسك تعبيرًا عن قراءة عقلانية للواقع، وإدراك بأن الاصطدام مع رجل بثقل ماسك لن يكون مجرد خلاف شخصي، بل أزمة قد تتوسع إلى أبعاد سياسية واقتصادية وحتى دولية.

لقد فهم الطرفان اللعبة جيدًا، وتصرفا بما يحقق مصالحهما المتبادلة. فترامب خرج دون خسائر، واحتفظ بدعم كتلة مهمة من الناخبين والمستثمرين، بينما احتفظ ماسك بمكانته كلاعب لا يمكن تجاوزه في معادلات القوة داخل الولايات المتحدة.