دراسات وأبحاث

بايدن يكتب نهايته السياسية.. مذكرات بـ10 ملايين تكشف تراجع سوق الزعماء

الخميس 24 يوليو 2025 - 07:54 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في مؤشر جديد على التحولات الكبرى التي يشهدها سوق النشر السياسي في الولايات المتحدة، أبرم الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن صفقة لنشر مذكراته مع دار النشر الأمريكية "ليتل براون" التابعة لمؤسسة "هاتشت"، بقيمة تقارب 10 ملايين دولار، وهو رقم أقل بكثير مما حصل عليه رؤساء سابقون، ويعكس بوضوح التغيرات المتسارعة في توجهات القراء وصناعة النشر.

في قمة انتخابية افتراضية.. جو بايدن يداعب أصوات مليون ناخب أمريكي مسلم  بحديث للنبي محمد - CNN Arabic

 المذكرات التي لم يُعلن عن عنوانها 

وبحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن المذكرات التي لم يُعلن عن عنوانها بعد ستتناول تفاصيل فترة بايدن الرئاسية الممتدة من يناير 2021 إلى يناير 2025، وهي مرحلة مضطربة سياسيًا وصحيًا شهدت أحداثًا مفصلية في التاريخ الأمريكي الحديث، أبرزها أزمة جائحة كورونا، والانسحاب المفاجئ من أفغانستان، وتدهور العلاقات مع كل من روسيا والصين، فضلًا عن الانقسام الداخلي المتنامي داخل المجتمع الأمريكي.

مقارنة مع مذكرات الرؤساء السابقين

رغم الزخم السياسي لتلك المرحلة، إلا أن الصفقة المالية التي حصل عليها بايدن تُعد متواضعة مقارنة بسابقيه، إذ حقق الرئيس الأسبق باراك أوباما رقمًا قياسيًا غير مسبوق عندما وقع عقدًا بقيمة 65 مليون دولار مع دار "بنغوين راندوم هاوس" لنشر كتابه "أرض الميعاد"، بينما باع بيل كلينتون مذكراته "حياتي" مقابل 15 مليون دولار، وهو رقم تجاوز أيضًا ما حصل عليه جورج دبليو بوش الذي بلغت قيمة مذكراته "نقاط القرار" نحو 10 ملايين دولار.

أما الرئيس الأسبق رونالد ريغان، فقد بلغت صفقة مذكراته في ثمانينيات القرن الماضي 7 ملايين دولار، وهو مبلغ كبير بمعايير تلك الفترة، لكنه يبدو ضئيلاً إذا ما قورن بالقيمة السوقية اليوم.

جو بايدن: كشف حساب للشهر الأول من حكمه - BBC News عربي

تراجع في سوق النشر الرئاسي

يرى مراقبون أن الانخفاض الكبير في قيمة صفقة بايدن يعكس تحولات هيكلية عميقة في سوق النشر الرئاسي، لم تعد الأسماء السياسية الكبيرة قادرة على ضمان النجاح التجاري لمجرد مكانتها، ما لم ترافقها سردية مثيرة، ومفاجآت سياسية، وتوقيت ذكي في الإصدار.

وقد لعبت عدة عوامل دورًا في تقليل تقييم مذكرات بايدن، أبرزها التحول نحو الكتب الرقمية والمسموعة، وتراجع الإقبال على النسخ الورقية التقليدية، بالإضافة إلى تشبع السوق بمحتوى سياسي مكثف عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية.

شخصية بايدن السياسية وتأثيرها

من العوامل الأخرى التي قد تكون أثّرت على تقييم الناشرين للمذكرات، ما يصفه البعض بأن شخصية بايدن "أقل دراماتيكية" من نظرائه. فبينما يمثل دونالد ترامب تيارًا صداميًا، ويجذب جدلاً واسعًا، وكان أوباما يُعد ظاهرة سياسية وثقافية جذبت ملايين القراء، فإن بايدن يُنظر إليه على أنه سياسي تقليدي، يفتقر إلى الزخم الدرامي أو الجاذبية الشخصية التي تجذب دور النشر الكبرى لتحقيق مبيعات ضخمة.

كما أن أداء بايدن خلال رئاسته، والذي شابه بعض الانتقادات المرتبطة بإدارته لأزمات داخلية وخارجية، ربما قلل من شغف الجمهور العام بقراءة روايته للأحداث، خاصة مع تركيز الإعلام الأمريكي في السنوات الأخيرة على جوانب ضعف بايدن الصحي وتقدمه في السن.

الوضع الصحي للرئيس السابق

مؤخرًا، أعلنت مصادر طبية عن إصابة بايدن بنوع يمكن التحكم فيه من سرطان البروستاتا، وهو ما أثار مجددًا الحديث عن حالته الصحية وتأثيرها على صورته العامة، لا سيما وأن القضية الصحية كانت محور جدل دائم خلال ولايته، واعتُبرت من العوامل التي أضعفت فرصه في الترشح مجددًا.

هذه المخاوف الصحية، رغم محدودية تأثيرها المباشر على الصفقة، ساهمت بشكل غير مباشر في خفض التقديرات التجارية للكتاب، كونها قد تؤثر على فرص استكمال المشروع في حال تدهورت صحته.

بايدن يكتب بنفسه

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإن بايدن يشارك بشكل مباشر في عملية الكتابة، ولا يعتمد كليًا على كُتّاب الظل أو المستشارين، ويعمل على تقديم رواية شخصية للأحداث التي مرت بها أمريكا خلال رئاسته، بعيدًا عن اللغة البيروقراطية الجافة.

هذا النهج، إذا نجح، قد يمنح المذكرات طابعًا إنسانيًا أكثر قربًا من القارئ، ويعكس رؤية الرئيس ذاته بدلًا من السرد السياسي الرسمي، ما قد يُكسب الكتاب بعض القوة لاحقًا في السوق.

لا موعد للإصدار حتى الآن

حتى الآن، لم تُعلن دار النشر عن موعد نهائي لإصدار الكتاب، وهو ما يثير تساؤلات في الأوساط الإعلامية. البعض يرى أن التأخير هدفه إتاحة وقت كافٍ لبايدن لإتمام المذكرات، خاصة مع التحديات الصحية والسياسية، فيما يرى آخرون أن الأمر قد يرتبط بحسابات توقيت النشر بما يتماشى مع السباق الرئاسي الأمريكي في 2028، أو أي متغيرات سياسية يمكن استغلالها في تسويق الكتاب.

هل تعكس صفقة بايدن نهاية عصر المذكرات الرئاسية المليونية؟

صفقة بايدن تُعد بمثابة اختبار جديد لقدرة كتب السياسيين على البقاء في صدارة المبيعات وسط زحام المحتوى الرقمي وتراجع معدلات القراءة التقليدية. كما أنها قد تؤشر إلى نهاية عصر الصفقات المليونية الفلكية في سوق النشر الرئاسي، ما لم تُقدَّم المذكرات في قالب مشوق وكاشف وغير تقليدي.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع بايدن بمذكراته استعادة الزخم الذي فقده في نهاية ولايته؟ أم أن الكتاب سيُضاف إلى سلسلة من الإصدارات الرئاسية التي لم تُحدث التأثير المنتظر؟