آراء وأقلام

إميل أمين يكتب: «العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية»

الأربعاء 23 يوليو 2025 - 03:12 ص
إميل أمين
إميل أمين

هل هي معركة باردة أم ساخنة تلك التي تجري في الآونة الأخيرة في منطقة القطب الشمالي، بين الأقطاب الكونية الكبرى؟

قصة عسكرة القطب الشمالي جارية على قدم وساق، وتنذر بمواجهات عسكرية كبيرة، ويكفي أن يتابع المرء اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجزيرة غرينلاند، وإصراره على بسط هيمنة بلاده عليها، ليدرك أن هناك قضية ساخنة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في المدى الزمني المنظور.

من يملك القطب الشمالي؟

المؤكد أن المعاهدات الدولية تفيد بأن لا أحد يمتلك القطب الشمالي، وإن كانت الدول المشاطئة الخمس -أميركا، روسيا، كندا، الدنمارك، النرويج- تمتلك فقط مائتي ميل بحري كمياه وثلوج إقليمية، وذلك بحسب قانون البحار لعام 1982، غير أن الحقيقة المؤكدة هي أن لا أحد منهم قانع بذلك الحق القانوني، وجميعهم يسعى إلى ما وراء وأبعد على أمل إدراك النصيب الأكبر في منطقة تتجاوز 15 مليون كيلومتر مربع.

لماذا الصراع من حول القطب الشمالي؟

مرد الأمر في واقع الحال يعود إلى سببين؛ الأول: هو الثروات الدفينة في قاع الثلوج، والتي تعود إلى آلاف السنين الغابرة وربما مئات الآلاف. في تقرير لها تقدر دائرة المسح الجيولوجي الأميركية أن 25 في المائة من احتياطي النفط والغاز حول العالم، قابعة هناك، وبمزيد من التفصيل، يوجد نحو 90 مليار برميل من النفط تكفي دولة كبرى مثل الولايات المتحدة لمدة 12 عاماً، عطفاً على 50 تريليون متر مكعب من الغاز، واحتياطات هائلة من الماس والبلاتين، القصدير والمنغنيز، النيكل والرصاص، وربما ما لا نعلم من مواد عالية وغالية الأهمية.

الثاني: هو أن الاحتباس الحراري، الذي أضحى اليوم حالة من الغليان، قد عمل ولا يزال على ذوبان الكثير من الثلوج المتراكمة عبر قرون طوال وأجيال بعيدة، ما يفتح الطريق أمام فكرة الممرات التجارية البديلة، والصالحة للملاحة الدولية، ومنها على سبيل المثال ممر من روسيا إلى أوروبا يختصر الطريق من 21 ألف كم إلى 12 ألف كلم، والمدى الزمني إلى أسبوعين فقط.

تنظر روسيا إلى القطب الشمالي، وكأنه طوق النجاة لها لوجيستياً واقتصادياً، ولهذا تعمل كاسحات الجليد النووية التابعة لشركة «روس آتوم»، على فتح مسارات وممرات في قلب الثلوج المتراكمة، بما يفيدها في كسر عزلتها الجغرافية من جهة، ولمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ عام 2014 من جهة ثانية.

يقدر الخبراء القيمة الإجمالية للموارد المعدنية في المنطقة القطبية شمال روسيا بنحو 22.4 تريليون دولار، ما يدفعنا للتساؤل: «هل لهذا تعمل موسكو جاهدة على عسكرة المشهد هناك للحفاظ على حصتها من الثروة المستقبلية؟».

حديث العسكرة ليس بجديد في تلك البقعة الثلجية النائية من العالم، فقد كانت تجرى فيها تجارب نووية في زمن الاتحاد السوفياتي، واليوم تكثف القوات المسلحة الروسية حضورها عبر مطارات ورادارات عملاقة وسفن، ومحاولة بناء مطارات، لتكون لها الكلمة الفصل في المشهد، الأمر الذي دعا «الناتو» لاستشعار نوع من الخطر من جراء التمدد العسكري الروسي.

تبدو روسيا عازمة بالفعل على زيادة وجودها في القطب الشمالي عسكرياً، ولهذا فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق بالفعل على خطة لتطوير المنطقة التابعة لروسيا وضمان الأمن القومي الروسي حتى عام 2035.

هل تقف واشنطن مكتوفة الأيدي؟

بالتأكيد لا، وعلى الرغم من عدم امتلاكها كاسحات جليد نووية، كالتي تمتلكها روسيا، فإنها تحاول استئجار بعضها، كما أن سفن البحرية التي تمتلكها، يمكنها الوصول إلى بحر بارنتس من منطقة المياه النظيفة، ولدى واشنطن 27 ألف جندي في منطقة ألاسكا.

تسيّر واشنطن دوريات عسكرية بشكل دائم، وتجري مناورات عسكرية بصورة متصلة، كما أن الإصرار على امتلاك جزيرة غرينادا لا يتعلق فقط بمسألة الهجوم العسكري على الروس؛ ذلك أنه لا تزال لغرينادا أهمية استراتيجية من حيث المراقبة، وهي مهمة لطرق النقل مع ذوبان الجليد.

الصين بدورها ورغم أنها ليست مشاطئة للقطب الشمالي، بل تبعد عنه بنحو 1450 كيلومتراً، فإنها ترى أن سكانها خُمس سكان العالم، ولهذا لها الحق في خمس ثروات القطب الشمالي، ما وراء المائتي ميل بحري للدول الخمس المشاطئة، وقد استثمرت 90 مليار دولار للاستفادة من الممرات الصاعدة، وبدأت منذ سبع سنوات في توسيع أسطولها من كاسحات الجليد.

ويتبقى السؤال: هل ثروات القطب الشمالي نعمة على البشرية أم أن هناك بجانبيها كائنات فيروسية وبكتيرية، ميكروبات وزومبي متجمدة ربما من ملايين السنين قد تصحو فجأة، ما يجعل من النعمة نقمة كارثية على الجنس البشري؟

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط