دراسات وأبحاث

"ممر داود".. المشروع الغامض بين إسرائيل والفرات "حلم جيوسياسي أم خريطة حرب"؟

الأحد 20 يوليو 2025 - 03:09 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

تتزايد في الآونة الأخيرة الإشارات والتقارير عن مشروع جيوسياسي إسرائيلي-غربي يُعرف بـ"ممر داود"، وهو مسار استراتيجي يمتد نظريًا من البحر المتوسط عند السواحل الإسرائيلية، مرورًا بالأراضي الأردنية، ثم المناطق السورية الخاضعة لنفوذ أمريكي-كردي، وصولًا إلى ضفاف نهر الفرات في العراق. ورغم أن الحديث عنه لا يزال في نطاق التحليلات وبعض التسريبات، فإن ما يُحاط به المشروع من غموض وحراك عسكري وسياسي يدفع الكثيرين للتساؤل: هل نحن أمام إعادة رسم جديدة لخريطة الشرق الأوسط؟

ما هو "ممر داود"؟

مصطلح "ممر داود" ليس اسمًا رسميًا في أدبيات السياسة الإسرائيلية أو الغربية، لكنه بات شائعًا في تحليلات مراكز الدراسات الجيوسياسية والخرائط الاستراتيجية التي تبحث في سبل تأمين نفوذ إسرائيلي ممتد شرقي المتوسط، على غرار ما تحقق من تطبيع وعلاقات اقتصادية بين تل أبيب وعدد من الدول العربية.

وبحسب مصادر إعلامية وخبراء، فإن الممر يمتد من إسرائيل مرورًا بجنوب الأردن، ثم إلى البادية السورية الخاضعة جزئيًا لسيطرة ميليشيات مدعومة أمريكيًا، ثم إلى مناطق الأكراد في شمال شرق سوريا، قبل أن يصل إلى الفرات، حيث تتواجد قواعد أمريكية ومناطق نفوذ كردية وعشائرية في غرب العراق.

الأهداف المعلنة والمضمَرة

لا تعترف إسرائيل رسميًا بأي خطة بهذا الاسم، لكن في المقابل، فإن مجموعة من التصريحات والتحركات على الأرض تشير إلى نوايا استراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة بإقامة طريق بري مؤمَّن يمتد من المتوسط إلى عمق آسيا، قد يُستخدم لأهداف اقتصادية وعسكرية وسياسية.

من بين الأهداف المرجّحة:

قطع التواصل الجغرافي الإيراني: يشير مراقبون إلى أن هذا الممر، في حال تأسيسه، سيعزل محور طهران – بغداد – دمشق – بيروت، وهو ما يعني ضرب "الهلال الشيعي" الذي تراهن عليه إيران منذ سنوات.

ربط إسرائيل بعلاقات تجارية جديدة شرقًا: تحلم إسرائيل بممر بري يربطها بالخليج وآسيا، مرورًا بالأردن والعراق، لتصدير الغاز والسلع وربما مد خطوط سكك حديدية.

خلق واقع أمني جديد شرق سوريا وغرب العراق: يشير محللون إلى أن تكريس وجود عسكري أمريكي في هذه المناطق جزء من خطة أوسع لضمان التفوق الإسرائيلي في المنطقة.

الوجود الأمريكي وتثبيت خطوط النفوذ

الولايات المتحدة، رغم انسحابها الجزئي من العراق وسوريا خلال السنوات الماضية، لا تزال تحتفظ بقواعد استراتيجية في مناطق قريبة من هذا "الممر"، خاصة في قاعدة "التنف" جنوب سوريا، وقواعد أخرى في الحسكة ودير الزور، فضلًا عن قواعد عسكرية في العراق قرب نهر الفرات.

وبحسب بعض التقارير، فإن "التنف" تمثل رأس جسر أمريكي مهم في هذه الخطة، حيث تقع عند مثلث الحدود السورية-العراقية-الأردنية، وهي مفتاح مهم لأي ممر يربط إسرائيل بالفرات.

المخاوف الإقليمية

يثير المشروع، إن صح وجوده، قلقًا إيرانيًا وسوريًا وعراقيًا. ففي حال إقامة مثل هذا الممر، فإن:

إيران ستفقد طريقها البري إلى حزب الله في لبنان.

الحكومة السورية ستواجه تحديًا إضافيًا في استعادة سيادتها على أراضيها الشرقية.

العراق سيشهد مزيدًا من الانقسام، وسط صعود قوى كردية وسنية مدعومة خارجيًا.

من جانب آخر، فإن تركيا أيضًا تنظر بعين الحذر إلى مثل هذه المشاريع، لما قد يعنيه من دعم ضمني لدويلة كردية في شمال شرق سوريا، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

المكون الكردي والعشائري في المعادلة

يلعب الأكراد دورًا محوريًا في هذا المشروع، لا سيما أن الممر يمر في مناطق سيطرتهم شمال شرق سوريا. وقد أبدت قيادات كردية انفتاحًا على التعاون مع قوى دولية، ومنها إسرائيل، وفق ما تشير إليه بعض التقارير الاستخبارية.

كما أن وجود عشائر سنية متحالفة مع الغرب في الأنبار العراقية وشرق سوريا يمثل عنصرًا مساعدًا في هذا المخطط، الذي يقوم على ضمان "مناطق صديقة" على امتداد الممر.

هل نحن أمام سايكس-بيكو جديدة؟

يشبّه البعض هذا المشروع بخريطة "سايكس-بيكو" جديدة، ولكن بأدوات أمريكية وإسرائيلية هذه المرة، وليس بريطانية-فرنسية. 

إذ يبدو أن المشروع يسعى لإعادة تقسيم النفوذ في المنطقة لا وفق الحدود السياسية، بل وفق خطوط السيطرة الفعلية والتحالفات الأمنية والعرقية والمذهبية.

ردود الفعل العربية الرسمية.. صمت حذر

حتى الآن، لا توجد مواقف رسمية عربية واضحة بشأن مشروع "ممر داود"، باستثناء بيانات عامة تؤكد على وحدة الأراضي السورية والعراقية. 

لكن الصمت الأردني والعراقي، وتنسيق بعض العشائر مع القوات الأمريكية، يطرح تساؤلات حول موقف الحكومات الفعلي.

في المقابل، تواصل إيران عبر الحشد الشعبي وحزب الله العمل على منع تشكُّل أي ممر منافس، عبر دعم عمليات المقاومة واستهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق.

 غموض استراتيجي في قلب الشرق الأوسط

يبقى "ممر داود" في هذه المرحلة جزءًا من لعبة الظلال، لا تأكيد رسمي عليه، ولا نفي صريح، لكنه يكشف عن معركة جيوسياسية تتشكل في صمت على خرائط العقول والمصالح. 

معركة قد تغيّر شكل المنطقة لعقود قادمة، ما لم تتغير الحسابات، أو تتصاعد المواجهات.