دراسات وأبحاث

توتر متجدد بين تركيا واليونان في شرق المتوسط.. إلى أين تتجه الأزمة؟

السبت 19 يوليو 2025 - 03:46 م
ابراهيم ياسر
تحركات بحرية ومواقف أوروبية
الأمصار

في 30 يونيو 2025، دفعت البحرية اليونانية بفرقاطتين إلى المياه الدولية قبالة السواحل الليبية، في خطوة تعكس تصاعد التوتر بشأن ترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط. 

إلى أين يتجه التوتر اليوناني التركي في شرق المتوسط؟ | القاهرة الاخبارية

تأتي هذه الخطوة بعد دعم أوروبي واضح للموقف اليوناني في قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت يوم 26 يونيو، والتي رفضت المذكرة التركية الليبية ووصفتها بانتهاك صارخ للسيادة البحرية لدولة ثالثة، وأكدت عدم شرعيتها القانونية.

جذور النزاع: خلافات حدودية وموارد واعدة

تستمر التوترات بين أنقرة وأثينا حول ترسيم الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز، خاصة في المناطق المتاخمة لليبيا، وسط تنافس محموم على الموارد الطبيعية. وتتجلى أبرز مظاهر هذا التنافس في النقاط التالية:

خلافات حول جزيرة كريت والتنقيب البحري

أعلنت وزارة الطاقة اليونانية مطلع مايو 2025 عن طرح مناقصة للتنقيب عن موارد طاقة في أربع مناطق بحرية، منها منطقتان تقعان جنوب جزيرة كريت بالقرب من ليبيا، وهو ما أثار اعتراضات قوية من الحكومة الليبية المؤقتة في طرابلس التي اعتبرت هذه التحركات تعديًا على حقوقها السيادية. وقد أبدت شركات كبرى مثل "شيفرون" و"هيلينيك للطاقة" اهتمامًا بالاستكشاف في تلك المناطق، ومن المتوقع تقديم العروض في أغسطس، تمهيدًا لإبرام الاتفاقيات قبل نهاية العام.

وفي المقابل، قامت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط بتوقيع مذكرة تعاون مع شركة النفط التركية "TPAO" في إسطنبول يوم 25 يونيو، تشمل إجراء دراسات بحرية جيولوجية وسيزمية في أربع مناطق بحرية، في خطة تستغرق تسعة أشهر لجمع البيانات وتحليلها.

أزمة شرق المتوسط.. الأوروبيون يبحثون التصعيد وأثينا تصدق على الاتفاق مع مصر  وتركيا تحذر اليونان

تحركات دبلوماسية يونانية ضد التفاهم التركي الليبي

سعت الحكومة اليونانية لحشد الدعم الدولي والإقليمي لموقفها، استنادًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. 

وقد أكدت قمة المجلس الأوروبي أن مذكرة التفاهم التركية الليبية، الموقعة في نوفمبر 2019، لا تتفق مع القانون الدولي ولا تمثل أساسًا قانونيًا لترسيم الحدود البحرية.

وفي سياق متصل، تخطط أثينا لإيفاد وزير خارجيتها إلى طرابلس وبنغازي من أجل إقناع الأطراف الليبية بعدم المضي قدمًا في التفاهم مع تركيا. 

كما تعتزم وفود أوروبية رفيعة، من بينها مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية ووزراء هجرة من اليونان وإيطاليا ومالطا، زيارة ليبيا في 8 يوليو لمناقشة جهود الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية، في إطار تنسيق مشابه لاتفاقات الاتحاد الأوروبي مع دول الجوار الجنوبي.

تركيا واليونان: هل يدفع التنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط البلدين إلى  "مواجهة" عسكرية؟ - BBC News عربي

المخاوف الأمنية الأوروبية وتداعيات النزاع الليبي

التحركات اليونانية تأتي أيضًا في سياق مخاوف متزايدة من عدم الاستقرار في ليبيا، خاصة بعد اشتباكات طرابلس في مايو، والتي أسهمت في تعميق القلق الأوروبي من تصاعد موجات الهجرة غير الشرعية وتنامي الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، بما فيها تهريب الأسلحة والبشر. كما تسعى اليونان لتعزيز التنسيق مع سلطات الشرق الليبي للحد من تدفقات الهجرة، خاصة عبر جزيرتي كريت وجافدوس.

وأفادت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية أن الخطوة العسكرية اليونانية تهدف إلى التصدي لأي محاولات تركية ليبية لفرض أمر واقع جديد في مناطق النزاع، خاصة في ظل التقديرات التي تشير إلى وجود احتياطات طاقة تُقدّر قيمتها بنحو 250 مليار يورو في المياه المحيطة بجزيرة كريت.

طبول الحرب؟.. الأزمة بين تركيا واليونان تقترب من الانفجار | سكاي نيوز عربية

تصاعد الهجرة غير الشرعية وتفاقم الأزمة الإنسانية

منذ عام 2015، استقبلت الجزر اليونانية قرابة مليون مهاجر غير شرعي، وشهد النصف الأول من عام 2025 قفزة بنسبة 173% في عدد المهاجرين القادمين من ليبيا، بحسب تصريحات أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. ورصدت وكالة "رويترز" عبور نحو 800 مهاجر إلى الأراضي اليونانية خلال الفترة من 19 إلى 23 يونيو، ما يعكس تفاقم الانفلات الأمني في طرابلس، وتداعيات الحرب في السودان التي دفعت المزيد من اللاجئين إلى البحث عن ممرات هروب.

مراقبة أوروبية وتوسع لمهام "عملية إيريني"

في ظل هذا السياق المضطرب، توسعت مهام "عملية إيريني" الأوروبية المعنية بمنع تهريب الأسلحة إلى ليبيا، لتشمل مراقبة أنشطة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالمخدرات. وقد تم رصد طائرات استطلاع أوروبية وأمريكية، من بينها "بومباردييه 650 أرتيميس" و"MQ-4C"، مرتين على الأقل قبالة السواحل الليبية بين 16 و30 يونيو، في إطار جمع معلومات استخباراتية تتعلق بالنشاط الميليشياوي وخطوط التهريب.

رغم التوتر المتزايد، لا تزال احتمالات المواجهة المباشرة بين تركيا واليونان ضئيلة، لكن سيناريوهات المستقبل تظل مفتوحة على مسارين رئيسيين:

ما هي "أوروتش رئيس" التي ردت بها تركيا على مصر واليونان؟ - CNN Arabic

سيناريو تسوية بدعم أمريكي

قد تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التوسط بين الطرفين، خاصة في ظل علاقاته الجيدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب أهمية اليونان كحليف استراتيجي لواشنطن. وتتضمن هذه التسوية المحتملة حوارًا مشتركًا لترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان وليبيا، وربما إشراك أنقرة في منتدى غاز شرق المتوسط، بما يحقق توازنًا بين المصالح الاستراتيجية والطاقة في المنطقة.

لكن نجاح هذه الصفقة سيعتمد على قدرة واشنطن على إقناع الطرفين بالتنازلات الضرورية، إذ تصر أثينا على مرجعية قانون البحار، بينما ترفض أنقرة أي اتفاقات تستند إلى تأثير الجزر اليونانية الصغيرة على الترسيم، بما يحرمها من الوصول إلى مناطق غنية بالموارد.

رغم الخصومة التاريخية العميقة بينهما.. افتتاح أول خط بحري مباشر بين اليونان  وتركيا | أخبار | الجزيرة نت

سيناريو التصعيد المحدود

من ناحية أخرى، قد يتجه الصراع نحو مرحلة من التصعيد المحسوب، شبيهًا بالتوترات السابقة بين 2020 و2022، مدفوعًا بعدة عوامل؛ أبرزها تردد الموقف الأمريكي في دعم طرف على حساب آخر، وحرص الدول الأوروبية على كسب تركيا كشريك في إدارة قضايا الطاقة والهجرة. كما أن الأطراف الإقليمية لا تفضل إدخال ليبيا في مواجهة مباشرة بين أنقرة وأثينا، في ظل هشاشة الأوضاع هناك.

 مستقبل الأزمة بين الرهانات الجيوسياسية ومصالح الطاقة

إن أزمة الحدود البحرية بين تركيا واليونان تكشف عن طبيعة العلاقات المعقدة بين البلدين، التي تتأرجح دومًا بين التوتر والتعاون. ويظل مستقبل النزاع مرهونًا بمدى فعالية الدور الأمريكي في إدارة الأزمة وتقديم رؤية شاملة تستوعب توازنات شرق المتوسط، إما عبر صفقة عادلة ومتوازنة، أو من خلال احتواء التصعيد وإبقاء الوضع في دائرة السيطرة بما يخدم مصالح الأمن والطاقة والهجرة في المنطقة.