دراسات وأبحاث

اتفاق أمريكي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا.. هل بدأ مسار التسوية؟

السبت 19 يوليو 2025 - 01:08 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل في آنٍ واحد، أعلنت الولايات المتحدة مساء السبت عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وسوريا برعاية أمريكية، في خضم موجة تصعيد غير مسبوقة اجتاحت جنوب سوريا وأجزاء من العاصمة دمشق، وسط اشتباكات دامية بين مجموعات طائفية ومسلحين محليين.

الرئيس السوري يتهم إسرائيل بالسعي إلى "فوضى أبدية" على خلفية الصراع في  السويداء - الحياة اللندنية

تفاصيل الاتفاق: وقف القتال وبناء مسار سلمي

المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، أعلن عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" أن الاتفاق يقضي بـوقف الأعمال القتالية بشكل فوري، وتسليم السلاح من قبل الطوائف المتصارعة، وفتح مسار سياسي واسع يهدف إلى بناء هوية وطنية سورية جامعة، بمشاركة جميع المكونات الدينية والعرقية.

باراك أكد أن الاتفاق تم بعد مفاوضات مباشرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع، وبـ"دعم مباشر من واشنطن"، بينما أبدت تركيا والأردن ودول الجوار ترحيبها الحذر بالخطوة، معتبرين أن أي مسار يؤدي إلى تهدئة الوضع في الجنوب السوري "يستحق الدعم والمراقبة الدقيقة".

وقد دعت واشنطن، بحسب تصريحات باراك، جميع الأطياف السورية، وخاصة الدروز والبدو والمكون السني، إلى "اغتنام الفرصة وتسليم سلاحهم والانخراط في المسار السلمي".

السويداء تؤجّج الصراع التركي – الإسرائيلي على الأرض السورية | النهار

خلفية التصعيد: صراع درزي-بدوي واستهداف إسرائيلي تحت شعار الحماية

تأتي هذه التسوية عقب أسبوع من الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء وجنوب دمشق، حيث اندلعت مواجهات مسلحة بين مجموعات درزية وبدوية على خلفية نزاعات محلية سرعان ما اتخذت طابعًا طائفيًا، وتطورت إلى هجمات متبادلة وعمليات تهجير وخطف وقتل على الهوية.

التصعيد استغلته إسرائيل لتنفيذ عدة ضربات جوية على مواقع سورية بذريعة "حماية أبناء الطائفة الدرزية" التي تشكل أقلية في كل من إسرائيل وسوريا ولبنان، وهو تدخل أثار سخطًا رسميًا في دمشق واعتبرته "انتهاكًا مباشرًا للسيادة ومحاولة لتدويل الصراع الداخلي".

ردود دمشق: نبرة حازمة ضد الفوضى والفتنة

في بيان رسمي صدر عن الرئاسة السورية مساء الجمعة، أبدت دمشق موقفًا حازمًا تجاه الأحداث، مشيرة إلى أن ما يحدث في الجنوب هو نتيجة "تمدد مجموعات خارجة عن القانون تستخدم السلاح لفرض أمر واقع على حساب الدولة والمواطن".

جاء في البيان:

"نؤكد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الاعتداء على المدنيين وترويعهم… نرفض أي محاولة لإضعاف مؤسسات الدولة تحت أي ذريعة طائفية أو مناطقية".

كما شدد البيان على أن الحل لن يكون بالفوضى أو بالثأر، بل عبر فرض القانون وتحقيق العدالة. وأوضحت الرئاسة أن الجمهورية السورية "ليست دولة طائفة بل وطن لجميع أبنائها"، مع دعوة واضحة إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل.

من هم بدو السويداء؟ في قلب الصراع الأخير جنوب سوريا - Indeksonlineصافي

تحركات ميدانية: إرسال قوات لفض الاشتباك

كشفت الحكومة أنها بصدد إرسال قوات ميدانية خاصة إلى الجنوب مهمتها فض الاشتباك ميدانيًا وفرض الأمن بالتوازي مع تحرك سياسي داخلي وخارجي يهدف إلى تطويق الأزمة ومنع انفجارها على نطاق أوسع.

كما يجري العمل، بحسب مصادر مقربة من الرئاسة السورية، على فتح قنوات حوار محلية مع وجهاء العشائر والطوائف في المنطقة، لإعادة فرض سلطة الدولة واستعادة الثقة بين مكونات المجتمع التي تهشمت بفعل التدخلات الخارجية والتحريض الإعلامي.

 إشارات على تغيّر في الموقف الأمريكي

التحرك الأمريكي الأخير تجاه سوريا، سواء عبر رعاية اتفاق وقف النار أو دعم مسار مصالحة داخلي، يمثل تحوّلًا لافتًا في سياسة واشنطن التي اتسمت خلال سنوات الحرب السورية بدعم غير مباشر لمعارضين ومسلحين، وفرض عزلة على النظام الرسمي في دمشق.

ويرى مراقبون أن إدارة بايدن، وتحت ضغط متغيرات إقليمية شملت تقاربًا تركيًا-سوريًا وانفتاحًا عربيًا تدريجيًا على دمشق، باتت ترى في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها هدفًا أكثر نفعًا من استمرار الفوضى، خاصة في ظل تنامي النفوذ الإيراني والروسي في الداخل السوري.

موقف إسرائيل: هدنة مؤقتة أم استراتيجية جديدة؟

بالرغم من أنها الطرف الأقوى عسكريًا، وافقت إسرائيل على هذا الاتفاق المفاجئ. وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول دوافع تل أبيب:

أشرف العشري: اتهامات أمريكية لإسرائيل بتأجيج الصراع في سوريا|فيديو

هل هو تكتيك لتخفيف التوتر الإقليمي مؤقتًا؟

أم أن إسرائيل تسعى لترسيخ وضع خاص للدروز السوريين يشبه "حزامًا أمنيًا" غير معلن على حدود الجولان المحتل؟


تحليلات عسكرية إسرائيلية، نُشرت في صحيفتي يديعوت أحرونوت وهآرتس، تشير إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تخشى انفجارًا أكبر في الجنوب السوري قد يستدرج "حزب الله" وإيران إلى المعركة، وهو ما تحاول تل أبيب تفاديه حاليًا في ظل تصعيد موازٍ مع لبنان وغزة.

مخاوف من التفكك.. هل ينجو الجنوب السوري؟

الجنوب السوري، وعلى رأسه السويداء ودرعا والقنيطرة، يشكل منطقة حساسة تاريخيًا وجيوسياسيًا. ويخشى كثيرون أن تؤدي التطورات الأخيرة إلى تكرار سيناريوهات "الكانتونات" أو الحكم الذاتي الذي تم تطبيقه في الشمال الشرقي من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ويُشار إلى أن بعض القيادات الدرزية المحلية طالبت مؤخرًا بصوت خافت بـ"نموذج خاص يحفظ للسويداء خصوصيتها"، وهو ما رُفض من دمشق في أكثر من مناسبة.

المبعوث الأمريكي باراك، في تصريح لاحق، أكد أن "الاتفاق لا يعني انفصالًا أو فيدرالية"، بل هو "خطوة لبناء شراكة حقيقية بين كل السوريين".

الرئاسة السورية تتعهد بإرسال قوة لفض النزاع في السويداء - يمن ديلي نيوز  Yemen Daily News

فرصة أم فخ جديد؟

رغم الترحيب الدولي الحذر وبيانات الدعم، يبقى سؤال أساسي مطروحًا:
هل الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي السوري مجرد هدنة مؤقتة؟ أم بداية لتحول كبير في مستقبل سوريا السياسي؟

الإجابة مرهونة بتطورات الأيام القادمة، ومدى التزام الأطراف بالاتفاق، وقدرة الدولة السورية على استعادة هيبتها وسيطرتها على المناطق الخارجة عن القانون، دون الانجرار وراء ردود فعل انتقامية أو تمييز طائفي قد يشعل المنطقة من جديد.

في النهاية، تبقى الحقيقة المؤكدة أن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم: إما العودة إلى الحرب الأهلية الطاحنة بصيغة طائفية، أو بدء مسار طويل ومعقد لاستعادة الدولة الوطنية الجامعة.