دراسات وأبحاث

تحقيق "ذا غارديان" يفضح التناقض الأوروبي.. تعليق شكلي لتصدير السلاح وتوريد فعلي يفتك بغزة

الجمعة 18 يوليو 2025 - 12:57 م
عمرو أحمد
المساعدات الأوروبية
المساعدات الأوروبية لإسرائيل

بينما تواصل الدول الأوروبية الظهور بمظهر الرافض للانتهاكات الإنسانية في قطاع غزة، يكشف تحقيق استقصائي حديث تورّطها الفعلي في تسليح الجيش الإسرائيلي، عبر شبكات تصدير غير مباشرة، كان ضحيتها آلاف المدنيين، بينهم أطفال، في القطاع المحاصر.

 

فقد نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية، بالتعاون مع منصّتي ديسكلوز الفرنسية وفولو ذا ماني، تحقيقًا موسعًا يُفند ادعاءات أوروبا بشأن وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرًا إلى أن هذه التصريحات لم تكن سوى إجراءات شكلية لم تمنع تدفق المكونات العسكرية القاتلة إلى تل أبيب.

تعليق وهمي.. واستمرار للإمدادات


يشير التحقيق إلى إعلان الحكومة البريطانية في سبتمبر 2023 تعليق بعض تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. لكن الصحيفة البريطانية كشفت أن هذا التعليق اقتصر فقط على المعدات المُصدّرة من داخل المملكة المتحدة، دون أن يشمل فروع الشركات البريطانية في دول أخرى، وخاصة الولايات المتحدة.

وفي مقدمة هذه الشركات، جاءت شركة MBDA الأوروبية، أكبر شركة تصنيع صواريخ في القارة، والتي تبيع مكونات رئيسية تُستخدم في تصنيع قنابل GBU-39 الأمريكية الصنع، التي استُخدمت على نطاق واسع في قطاع غزة خلال عام 2024، ضمن برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل.

آلاف القنابل ومجازر مسجلة


بحسب التحقيق، فإن الآلاف من قنابل GBU-39 شُحنت إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023، بينها دفعة جديدة مكوّنة من 2166 قنبلة في فبراير 2024، رغم أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت في ذلك الشهر أن نحو 70% من قطاع غزة أصبح مدمّرًا بالكامل.

وقد استخدمت هذه القنابل – ذات الوزن الخفيف الذي لا يتجاوز 250 رطلاً – في تنفيذ ما لا يقل عن 24 غارة جوية على القطاع بين يناير ومايو 2024، خلّفت دمارًا هائلًا، وقتلت مدنيين، وأطفالًا قُطّعت رؤوسهم بالشظايا.

وذكر التحقيق أن شركة MBDA لم تكتف بتوريد المكونات فقط، بل أضاف فرعها الأمريكي أجنحة توجيه دقيقة لتلك القنابل التي تنتجها شركة بوينغ، مما زاد من دقتها التدميرية، كما عُثر على أجزاء من هذه القنابل – من بينها أجنحة تحمل علامات شركة "نورثروب غرومان" – بين أنقاض المواقع المستهدفة.

واستشهد التحقيق بمجزرة دامية وقعت في مدينة رفح جنوب قطاع غزة يوم 2 مايو 2024، تحديدًا في "مخيم السلام الكويتي"، والتي أودت بحياة العشرات من الفلسطينيين، بينهم أطفال، وأُصيب فيها عدد كبير، بسبب استخدام قنابل GBU-39 التي زُودت بها إسرائيل من أوروبا عبر الولايات المتحدة.

رد الشركة.. وتدفق الأرباح


في معرض ردّها على صحيفة ذا غارديان، قالت شركة MBDA إنها "تلتزم بالقوانين"، لكنها لم توضح ما إذا كانت تنوي بيع فرعها في الولايات المتحدة أو وقف تزويد إسرائيل بالمكونات العسكرية، واكتفت بالإشارة إلى أن أي نشاط قد يورّط الشركة في "ممارسات غير قانونية" هو ممنوع، لكنها مع ذلك لم تتوقف عن الإمدادات حتى لحظة نشر التحقيق.

اللافت أن إيرادات الشركة من مبيعات الأسلحة، حتى من خلال فرعها الأمريكي، تمر عبر فرعها في المملكة المتحدة، قبل أن تُحوّل إلى الشركة الأم في فرنسا، وقد وزعت الشركة في عام 2024 وحده أرباحًا وصلت إلى 350 مليون جنيه إسترليني على مساهميها الرئيسيين: شركة BAE Systems البريطانية، وAirbus الفرنسية، وLeonardo الإيطالية.

تناقض صارخ وازدواجية أوروبية


التحقيق الاستقصائي يُسلّط الضوء على التناقض الصارخ في الموقف الأوروبي، دول تعلن وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بينما تواصل توريدها عبر مسارات بديلة لتُستخدم في قتل الفلسطينيين في قطاع غزة.

في النهاية، تتحدث الوقائع عن نفسها، أوروبا التي تدين وتُندد بالعدوان، هي ذاتها التي تصدّر مكونات الموت، وتربح من دماء المدنيين.