دراسات وأبحاث

السويداء تشتعل.. وإسرائيل تطرح حكمًا ذاتيًا للدروز من بوابة الفوضى السورية

الخميس 17 يوليو 2025 - 05:30 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في ظل تصاعد الأحداث في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا، بدأت أوساط أمنية وأكاديمية إسرائيلية بطرح سيناريو جديد يعكس تحولاً محتملاً في مستقبل التركيبة السورية، يتمثل في صيغة "حكم ذاتي" درزي بإشراف دولي غير معلن، وبرعاية وتنسيق غير مباشر مع إسرائيل. 

كيف يتفاعل دروز لبنان مع ما يجري في السويداء؟ | اندبندنت عربية

هذا الطرح، الذي ما يزال في طور النقاش والتكهن، يعكس ما وصفه محللون بأنه بداية لانهيار المركزية في الدولة السورية، وبوادر لما بعد عهد الرئيس أحمد الشرع، الذي صعد إلى السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

التعاون الأمني في مأزق

في هذا السياق، قال البروفيسور الإسرائيلي أمازيا برعام، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة حيفا، إن التعاون الأمني بين إسرائيل والنظام السوري يعاني من "مأزق كبير" عقب ما وصفه بـ"انتفاضة السويداء"، معتبرًا أن "العقبة الدرزية" باتت واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في طريق تطبيع العلاقات السورية الإسرائيلية، بحسب ما نشرته صحيفة "معاريف" العبرية.

الجيش السوري يبدأ بسحب قواته من السويداء تنفيذا للاتفاق مع شيوخ الدروز  ووجهاء المدينة - RT Arabic

ويرى برعام أن ما يحدث في السويداء لا يمكن فصله عن ملامح "سوريا الجديدة"، موضحًا أن الرئيس أحمد الشرع، الذي تولى السلطة وسط دعم روسي مشروط وغض طرف أمريكي، يبدو أنه يحاول كسب رضا الغرب، بل وحتى استرضاء إسرائيل، في محاولة لتقديم نفسه كـ"ضامن للاستقرار" في مواجهة تمدد حزب الله ونفوذ إيران.

الزعماء الدروز.. من هم؟ وما مواقفهم بشأن أحداث السويداء؟ | سكاي نيوز عربية

الحكم الذاتي كخيار إجباري

ورغم هذه التوجهات، يؤكد برعام أن خيارات إسرائيل تظل محدودة، خاصة في ظل انشغالها المستمر بحرب غزة والتهديدات من الجبهة الشمالية. ويشير إلى أن إسرائيل لا تستطيع خوض مغامرة عسكرية جديدة على الحدود السورية، لكنها قد تجد في خيار الحكم الذاتي الدرزي مخرجًا دبلوماسيًا وأمنيًا مؤقتًا.

ويقترح برعام أن يتم إرساء شكل من أشكال الإدارة الذاتية المحلية للدروز، بحيث تنسحب وحدات الجيش السوري من مناطقهم بالكامل، وتُمنح المجالس المحلية حق إدارة الشؤون اليومية، مدعومة بقوات شرطة مكوّنة من شباب دروز يرتدون الزي الرسمي، ومسلحين بأسلحة خفيفة فقط. 

هذا النموذج، حسب وجهة نظره، قد يساعد على تهدئة الأوضاع، ويمنح الشرع فرصة للتفاهم مع إسرائيل دون إحراج داخلي.

سوريا.. ماذا نعلم عن الدروز وتصريح حكمت الهجري ولماذا تحميهم إسرائيل؟ - CNN  Arabic

اختبار حقيقي لإسرائيل

يصف برعام المشهد الحالي في السويداء بأنه "اختبار حقيقي لإسرائيل"، ويتساءل: هل ستمضي تل أبيب في بناء جسور مع الشرع وتتعامل معه كفرصة نادرة لإنهاء الوجود الإيراني على حدودها، أم أنها ستعامله كنسخة سورية من يحيى السنوار، وخصم لا يمكن الوثوق به؟
ويضيف أن الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل العلاقة مع الطائفة الدرزية في سوريا، التي لطالما تمتعت بعلاقة معقدة مع إسرائيل، خاصة في ضوء ارتباطاتها القومية والدينية داخل فلسطين وسوريا ولبنان.

الرئيس السورى: إسرائيل أشعلت فتنة السويداء.. والدروز جزء من نسيج الوطن -  اليوم السابع

جذور التوتر الدرزي – السوري

يرجع برعام أسباب الأزمة إلى رفض الدروز تسليم أسلحتهم للنظام، ومعارضتهم لوجود القوات النظامية في مناطقهم، وخاصة بعد تواتر اتهامات بارتكاب الجيش السوري مجازر وانتهاكات في السويداء. ويرى أن الغموض ما يزال يلف مسألة إن كانت أوامر القمع قد صدرت مباشرة من الرئيس الشرع، أم أن الجيش تصرف بعشوائية وفقد السيطرة، وهو ما يضعف صورة النظام وشرعيته أمام المجتمع الدولي.

سوريا في مرحلة التفكك

يستعرض برعام ما يصفه بـ"خريطة التقسيم الواقعي" لسوريا، من منظور استراتيجي إسرائيلي، حيث يشير إلى أن:

الساحل السوري بات فعليًا تحت سيطرة الفصائل العلوية المحسوبة على الشرع .

شمال البلاد يخضع للنفوذ التركي والفصائل المدعومة من أنقرة.

المناطق الكردية في الشمال الشرقي تدار بشكل شبه مستقل.

أما الجنوب السوري، الممتد من دير الزور إلى القنيطرة، فيُعتبر ساحةً للفوضى و"موزاييك عسكري" من قوات النظام والمليشيات الشيعية المحلية والأجنبية.

هدنة بطعم الترقب في السويداء: اتفاق بين الدروز ودمشق لسحب الجيش وتنظيم  الأمن داخلياً


مشرط لا مطرقة

واختتم برعام تحليله بالدعوة إلى اعتماد سياسة "المشرط الجراحي" بدلًا من "المطرقة" في التعامل مع الأزمة السورية، مشيرًا إلى أن التدخل الإسرائيلي – إن حصل – يجب أن يكون محدودًا وذكيًا، مع التنسيق مع إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لإبقاء النظام تحت التهديد المستمر بإعادة فرض العقوبات إذا لم يلتزم بخريطة تفاهمات جديدة، على رأسها تفكيك الحضور الإيراني في الجنوب، ومنح الدروز إدارة ذاتية منضبطة.

السيناريو المطروح يكشف عن تحول خطير في التعاطي مع الشأن السوري، حيث تبدأ فكرة "الحكم الذاتي الطائفي" في التسلل كمخرج للأزمات المتتالية، مما قد يفتح الباب أمام نموذج لبناني جديد في سوريا، تشرف عليه قوى إقليمية ودولية، أبرزها إسرائيل، وتسعى من خلاله لتأمين حدودها .