آراء وأقلام

د. عبد الله فيصل آل ربح يكتب: «إيلون ماسك وحزبه»

الأربعاء 09 يوليو 2025 - 02:34 ص
د. عبد الله فيصل
د. عبد الله فيصل آل ربح

على الرغم من سخونة الأحداث العالمية التي تتربَّع الحروب على رأسها، فقد وجدَ الإعلامُ العالميُّ - والأميركي خاصةً - موضوعاً آخر يشغله، وهو الصِّدام بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره إيلون ماسك. فالتَّجاذب الحاصل بينهما والذي وصل للتراشق العلني على وسائل التواصل الاجتماعي أمرٌ غير مسبوق في المشهد السياسي للدول الكبرى؛ مما يُنبئ بشرخٍ جديد في الإدارة الأميركية قد يمتد إلى الإدارات المقبلة.

أبرز نقاط التراشق إعلان ماسك عن نيته تشكيل حزب سياسي يكون قادراً على منافسة الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين يهيمنان على المشهد السياسي الأميركي بشكل تام. فعلى مرّ العقود السابقة، لم يتمكن أيُّ حزب آخر من أن يكون منافساً حقيقياً لهما؛ بل انحصر دور مرشحي الحزب الثالث في عرقلة أحد الحزبين لصالح الآخر، كما حصل في انتخابات 1992، عندما تمكن روس بيرو، مرشحُ الحزب المستقل من حصد قرابة الـ20 مليونَ صوت كانت ستذهب للحزب الجمهوري ومرشحه جورج بوش الأب.

تاريخ إيلون ماسك بصفته رجل أعمال ناجحاً يجعل إمكانيةَ إنشاء حزب ثالث قادر على المنافسة أمراً جديّاً. فالرَّجل قادر على دراسة وضع السوق ورغبات العملاء وكيفية جذبهم لبضاعته. وإذا قرَّر المضي قُدماً في إنشاء ذلك الحزب الذي أطلق عليه (حزب أميركا)، فإنَّه سيتعامل معه على أنه مُنتج يسوّقه للشعب الأميركي الذي سئم من احتكار الحزبين الجمهوري والديمقراطي للمشهد السياسي للقوة العظمى.

يُجادل ماسك بأنَّ مشروع ترمب المسمى الضخم الجميل (Big, Beautiful Bill) سيلحق ضرراً جسيماً بالولايات المتحدة، وسيزيد من الدين العام المتضخم أصلاً. وعليه، فقد قرر إنشاء حزب جديد بدلاً من تكرار لعبة السياسيين الأميركيين بالانتقال للحزب المنافس وتقويته، كما حصل مرّات عدّة، بعضها وصل لمنصب رئيس الجمهورية كما في حالة رونالد ريغان، الذي كان حاكماً لولاية كاليفورنيا عن الحزب الديمقراطي، ليختلف معهم وقتها وينتقل للحزب الجمهوري ويرأس الولايات المتحدة ليصبح أحدَ أبرز الرموز التاريخيين للحزب.

ما يثير حفيظة الحزبين اليوم، كون ماسك يعرض رؤية واضحة وواقعية لحزبه الجديد، فهو لم يتوعد باكتساح الساحة وحصد المناصب، بل أعلن عن طموحه الواقعي والمتلخص في الحصول على مقعدين أو ثلاثة فقط في مجلس الشيوخ وثمانية إلى عشرة مقاعد في مجلس النواب. هذا الطرح الواقعي يتناسب مع المدة القصيرة المتبقية للانتخابات النصفية المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026. هذه الأرقام الصغيرة قادرة على لعب دور حاسم في التصويت على القوانين المثيرة للجدل، والتي يقف الحزبان الرئيسيان منها موقف النقيض. وعليه، سيكون موقف الحزب الجديد مرجّحاً لما يراه يخدم مصلحة الشعب الأميركي، على حد تعبير ماسك.

ماسك لا يمزح، وهذا ما دعا الرئيس ترمب للتصريح بأنه يحزنه إعلان ماسك، وأكد على كون النظام السياسي في الولايات المتحدة غير مهيّأ لذلك، وأنَّ الشيء الوحيد الذي سينتج عن وجود ثلاثة أحزاب قوية - بدلاً من اثنين - هو «خلق الاضطراب والفوضى العارمة».

قلق ترمب مبرّر، بل يعكس قلق النخبة السياسية للحزبين، فالغالبية العظمى من الشعب الأميركي ساخطة على أداء الحكومات المتعاقبة، ومستوى معيشة المواطن الأميركي العادي لا ترقى لمستوى نظرائه في الدول الكبرى التي تفرض ضرائب مشابهة لما يدفعها. لذلك كان شعار «أميركا أولاً» أهم شعارات ترمب لمواجهة الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة، والتي بعد كسبِها لم يتمكن من الحفاظ عليه وانجرّ للأعمال العسكرية في حروب الآخرين، كما فعل في دعمه لإسرائيل في حروبها الحالية، بل شارك بشكل مباشر في ضرب إيران لصالح إسرائيل، وكان من الممكن أن يتطوَّر الوضع ويقتل بعض الجنود الأميركيين لو لم يبتلع الإيرانيون الضربة ويقبلوا بوقف إطلاق النار.

خلاصة القول، إنه في حال نجحت خطةُ ماسك في مزاحمة الحزبين، والحصول على بعض المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، فإنَّ ذلك سيكون بمثابة صفحة جديدة في التاريخ السياسي الأميركي القائم على الثنائيات التي هي من صميم الثقافة الرأسمالية التي تقوم على حصر المنافسة بين عملاقين يتناوبان على الصدارة، يتغلب أحدهما على الآخر في فترة ما، ليعود الآخر فيتفوق في فترة أخرى، وهكذا. تماماً مثل ثنائية كوكاكولا - بيبسي، ماكدونالدز - برغر كنغ، مايكروسوفت - أبل... إلخ. وكلما ظهرت علامة تجارية تحاول المنافسة، فإنَّها ستبقى في الهامش بسبب عدم قدرتها على التنافس في الظهور الإعلامي وجذب الجمهور. ولكن دخول مُنتح/حزب يتبناه شخص بحجم إيلون ماسك سيكون أمراً مختلفاً.

الأشهر المقبلة ستكون حُبلَى بالمفاجآت، ولا يُستبعد أن يتراجع الرجل عن قراره الذي إن مضى فيه فسيُحدث هزة في المشهد السياسي الأميركي ستستمر لعقود مقبلة.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط