دراسات وأبحاث

ترامب يقترح صفقة ثلاثية: سوريا مقابل غزة.. ونتنياهو يدرس الخيارات

الأربعاء 09 يوليو 2025 - 12:17 ص
مصطفى سيد
الأمصار

في خطوة وصفها مراقبون بـ"الجريئة وغير المسبوقة"، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن عرض جديد قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتضمن اتفاقًا سياسيًا بين إسرائيل وسوريا برعاية أمريكية، مقابل إنهاء الحرب المشتعلة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023.

وبحسب صحيفة "إسرائيل اليوم"، فإن ترامب يسعى إلى وقف إطلاق النار في غزة من خلال حزمة تسوية إقليمية تشمل إعادة هندسة العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، تتضمن هذه المرة سوريا – الحليف التقليدي لإيران – في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية.

مبعوث أمريكي في دمشق ورفع عقوبات عن "هيئة تحرير الشام"

مصادر الصحيفة الإسرائيلية كشفت أن مبعوثًا من إدارة ترامب غادر إلى دمشق، الثلاثاء، بهدف استكمال الاتفاق المرتقب، بالتوازي مع الإعلان عن رفع العقوبات عن هيئة تحرير الشام – المعروفة سابقًا بـ"جبهة النصرة" – والتي يرأسها الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، في تحول لافت في السياسة الأمريكية تجاه الفصائل الإسلامية المسلحة في سوريا.

هذه التحركات تأتي في ظل وجود نتنياهو بواشنطن، وسط تكثيف للمفاوضات بشأن صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، تشمل وقف إطلاق نار مؤقت لمدة شهرين، وفق ما ذكرته الصحيفة، مع احتمال تمديد الهدنة لاحقً

من دمشق إلى الدوحة.. مفاوضات على جبهات متعددة

وفي موازاة التحرك نحو سوريا، توجه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى العاصمة القطرية الدوحة، لمواصلة محادثات صفقة الأسرى بين إسرائيل وحماس، والتي تجري برعاية قطرية ومصرية.

وأكدت مصادر من الوفد الإسرائيلي في واشنطن أن "الفجوات تضيق" بين الأطراف، على عكس ما يُشاع عن تعثر المفاوضات، وسط تقارير عن استعداد حماس للإفراج عن دفعات متتالية من المختطفين الإسرائيليين، مقابل انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من بعض المحاور داخل القطاع، وعلى رأسها رفح.

إسرائيل: لا لحماس ولا لدولة فلسطينية

ورغم الانفتاح الظاهري على التسوية، يبقى موقف نتنياهو متصلبًا حيال عدة نقاط، أبرزها رفضه القاطع لفكرة الدولة الفلسطينية، حتى ولو على سبيل التعبير السياسي، في إطار تطبيع أوسع مع السعودية. 

ويُصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن أي اتفاق لوقف الحرب يجب أن يتضمن نزع سلاح حماس بالكامل، ونفي قادتها من غزة، وإنشاء نظام إداري جديد لا يشمل السلطة الفلسطينية بشكل مباشر.

وتداولت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات لمسؤولين رفيعي المستوى أشاروا فيها إلى إمكانية فرض "إدارة عسكرية مؤقتة" لغزة بعد الحرب، إلى أن يتم التوصل إلى ترتيبات طويلة الأمد بشأن الجهة التي ستتولى الحكم في القطاع.

ترامب ونتنياهو.. حلف سياسي يتجدد

العرض الأمريكي الجديد أعاد تسليط الضوء على العلاقة الخاصة بين ترامب ونتنياهو، والتي تعززت خلال الزيارة الحالية للأخير إلى واشنطن.

 وذكرت أن ترامب عبّر عن حماسه لدعم "خطة هجرة تشجع سكان غزة على المغادرة"، في إطار مقترح إعادة هيكلة القطاع سياسيًا وديموغرافيًا.

وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن ترامب ناقش علنًا مسألة محاكمة نتنياهو، مطالبًا ببث جلساتها مباشرة عبر الإعلام، في تعبير واضح عن دعمه العلني لصديقه السياسي القديم.

هل تثمر الصفقة؟ عراقيل داخلية وخارجية

ورغم الحراك الأمريكي اللافت، فإن إنجاح الصفقة يواجه عقبات كبرى، أبرزها رفض حماس لبعض شروط المبادرة، والتعقيد البالغ في مسألة تحديد "القوة البديلة" لحماس في غزة، مع استبعاد أي دور مباشر للسلطة الفلسطينية.

أما على الجبهة السورية، فإن قبول دمشق – التي تربطها علاقات استراتيجية مع طهران – باتفاق مع إسرائيل، حتى وإن برعاية أمريكية، يظل محل تساؤل، خصوصًا مع الغموض المحيط بطبيعة "المقابل" الذي ستقدمه واشنطن مقابل هذا التقارب.

وفي خطوة أثارت جدلاً واسعًا ومخاوف من مخطط تهجير جماعي، كشفت تقارير إعلامية عن طرح خطة جديدة تحت اسم "مناطق انتقال إنسانية" في قطاع غزة، بدعم أمريكي وإسرائيلي، تستهدف إقامة مخيمات كبيرة لاستيعاب مئات الآلاف من الفلسطينيين في مناطق داخل القطاع وربما خارجه.

تفاصيل الخطة

الخطة المثيرة للجدل التي اطّلعت عليها وكالة "رويترز"، أعدّتها مؤسسة تُدعى "غزة الإنسانية"، وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة. 

وبحسب المصادر، جرى عرض الخطة على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتصل تكلفتها التقديرية إلى نحو ملياري دولار.

ووفقًا للتفاصيل المسرّبة، تهدف الخطة إلى إقامة مخيمات "واسعة النطاق وطوعية"، لتوفير مأوى مؤقت للفلسطينيين، بعيدًا عن سيطرة حركة حماس، مع وصف المخيمات كمناطق لإعادة التأهيل والاندماج، وتسهيل إعادة التوطين خارج القطاع، في حال رغب السكان في ذلك.

الموقف الإسرائيلي

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أكد أن وزارة الدفاع ستنشئ منطقة إنسانية جديدة في رفح جنوب غزة، ستستقبل ما لا يقل عن 600 ألف فلسطيني، وستكون خالية تمامًا من عناصر حماس.

وأوضح أن هذه المنطقة ستكون محاطة بقيود صارمة على الدخول والخروج، وسيُعتبر الفلسطينيون داخلها "مدنيين آمنين"، مع تزويدهم باحتياجاتهم الأساسية من غذاء ومأوى، في محاولة لعزل حماس سياسيًا واجتماعيًا.

ورغم التسريبات، نفت "مؤسسة غزة الإنسانية" تقديم أي مقترح من هذا النوع، ووصفت الوثائق المسرّبة بأنها "ليست صادرة عنها"، وأكدت أن نشاطها يقتصر على توزيع الغذاء فقط داخل غزة

كما أضافت الشركة المتعاقدة معها (SRS) أنها لم تشارك في أي خطط لإنشاء مناطق انتقال إنسانية، ووصفت ما تم تداوله بأنه "تشويه غير دقيق" لطبيعة عملها.

مخاوف من التهجير القسري

تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير الماضي بشأن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد تهجير سكانها، أثارت موجة غضب عارمة بين الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان، والتي عبّرت عن خشيتها من أن تكون هذه الخطط تمهيدًا لتهجير قسري، تحت غطاء "العمل الإنساني".

وأكد إسماعيل الثوابتة، مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، أن المؤسسة المذكورة "أداة استخباراتية تعمل لصالح إسرائيل" تحت مظلة إنسانية زائفة، بحسب تعبيره، ورفض أي وجود لها في القطاع.

وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الخطة، لكن مسؤولًا في الإدارة أكد لرويترز أنه "لا يوجد شيء من هذا القبيل قيد الدراسة حاليًا"، وأنه لم يتم تخصيص أي تمويل لتنفيذ هذه المناطق.

ومن جهتها، حذّرت الأمم المتحدة من خطورة هذه الخطط، ووصفت العمليات المرتبطة بمؤسسة غزة الإنسانية بأنها "غير آمنة بطبيعتها"، وتمثل انتهاكًا لمبادئ الحياد الإنساني. 

كما أشار مكتب حقوق الإنسان الأممي إلى وقوع أكثر من 600 حالة قتل في محيط نقاط إغاثة تتبع للمؤسسة أو قريبة من قوافل مساعدات إنسانية أخرى.

الوثائق المسربة أشارت إلى أنه سيتم إنشاء ثمانية مخيمات، كل منها يستوعب مئات الآلاف من السكان، وتحتوي على بنية تحتية متكاملة تشمل مدارس، حمامات، خدمات نظافة ومراكز طبية. وأشارت إحدى الصور إلى أن المخيم الأول سيكون جاهزًا خلال 90 يومًا من بدء التنفيذ.

صفقة جريئة.. أم مقامرة إقليمية؟

يبقى السؤال المطروح في أروقة السياسة الدولية: هل يمكن للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بسعيه للظهور كصانع للسلام، أن ينجح في تمرير اتفاق يجمع بين خصوم تقليديين كإسرائيل وسوريا، بينما تدور حرب مستعرة في غزة؟ وهل تنجح تلك المبادرة في إطفاء نيران الحرب، أم ستؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر؟

ما بين الدوحة ودمشق، ونتنياهو وترامب، تتقاطع خطوط السياسة والمصالح، في لحظة فارقة من تاريخ الشرق الأوسط، قد ترسم ملامح مرحلة جديدة، أو تشعل فتيل نزاع أشد.