آراء وأقلام

د. تحسين الشيخلي يكتب: النقد ليس خيانة بل دعوة للإصلاح

الإثنين 07 يوليو 2025 - 10:46 م
الأمصار

خلال اليومان الماضيان، أثار مؤشر RI2 المتعلق بجانب من جوانب النزاهة الاكاديمية وبالأخص في جانبها الأخلاقي، الكثير من الجدل داخل الأوساط الأكاديمية، لا سيما بعد أن أشار ذلك المؤشر إلى وجود اختلالات في عدد من الجامعات العراقية. 

 

وبدل أن تكون هذه المؤشرات مدخل لمراجعة صادقة وتصحيحٍ ضروري، لجأ بعض الأكاديميين إلى نفي الواقع واتهام من أشار إلى الخلل بأنه (مترصد) أو يحمل (نوايا خبيثة). 

 

هذا الموقف الدفاعي القائم على (الإنكار) لا يخدم المؤسسات، بل يعمق أزمتها، ويمنعها من التفاعل الإيجابي مع النقد البناء الذي يهدف إلى الإصلاح وحماية سمعة التعليم العالي العراقي.
 

إن تحميل النقد المسؤولية عن تشويه السمعة، لا يعفي المؤسسات من مسؤوليتها عن إصلاح ما يمكن إصلاحه. 

 

إننا أبناء هذه الجامعات قبل أن نكون ناقدين لها، ولا يمكن أن نكون إلا أوفياء لها بحكم الانتماء والوجدان، وأي خلل يمس نزاهتها العلمية، فإنه ينعكس علينا بقدر ما ينعكس على من يتولى المسؤولية الإدارية أو الأكاديمية فيها. 

 

لذلك فإن الحرص على سمعة المؤسسة التعليمية ليس حكر على أحد، ولا يقتصر على من يتبوأ منصب، بل هو مسؤولية جماعية تتوزع بين الجميع، من الطلبة إلى الأساتذة إلى المراقبين المتابعين.
 

يجب أن نفرق بين النقد البناء الذي ينبع من حرص عميق على واقع التعليم، وبين الاستهداف الشخصي أو حملات التشويه. وما قمنا به ليس سوى محاولة صادقة لقرع جرس الإنذار، لأننا نؤمن أن الصمت في مثل هذه الحالات ليس حكمة، بل تخاذل.

أما ردود الأفعال التي تستنكر النقد أو تهاجم أصحابه، فهي جزء من ثقافة إنكار ترسخت للأسف في بعض مؤسساتنا، ثقافة ترى في كل من يشير إلى الخلل (عدو)، وفي كل دعوة للإصلاح تهديد للمكانة أو الاستقرار.
 

لسنا في موقع الخصومة مع أحد، بل نحن زملاء وأبناء بيئة أكاديمية واحدة، تجمعنا الرغبة في استنهاض التعليم العالي العراقي ليعود إلى مكانته التي يستحقها. نحن نريد أن نرى جامعاتنا تتصدر المؤشرات الدولية لا أن تكون مدرجة ضمن قوائم التحذير. نريد أن نرى بحوثنا تنشر بقيمتها العلمية لا من خلال ورش بيع الأبحاث أو السلوكيات المشبوهة. نريد أن نخرج أجيال تؤمن بالعلم والمعرفة وتتحلى بالنزاهة الفكرية، لا أن تربى على المجاملة وغض الطرف عن التزوير والتدليس.
 

المؤشرات التي وردت في تقرير RI2، مهما كانت صادمة أو مزعجة، فإنها تتيح لنا فرصة ذهبية لمراجعة الذات، فليس من العيب أن تظهر مؤسساتنا في قوائم المراقبة، لكن العيب الحقيقي هو أن نرفض الاعتراف بالمشكلة ونخسر فرصة التصحيح.

 

إن المؤسسات التي تنهض من كبوتها هي تلك التي تصغي للنقد وتتفاعل معه لا تلك التي تقصي النقاد أو تهاجمهم.
 

من هنا فإن دعوتنا إلى الإصلاح ليست دعوة للتشهير، ولا للتصادم، بل هي تعبير عن مسؤولية أخلاقية نحملها كأبناء لهذه الجامعات، ومن حقنا بل من واجبنا أن نحافظ على نزاهتها العلمية، لأن من دون هذه النزاهة لا يمكن للعلم أن يثمر، ولا للمجتمع أن يتقدم، ولا للمستقبل أن يبنى على أسس سليمة. وأول خطوة في طريق الإصلاح هي الاعتراف بالخلل، لا التمترس خلف أوهام الكمال.
 

لذلك نقول لكل من شعر أن هذا النقد يمسه أو يطاله بشكل شخصي، لسنا ضدكم، بل معكم. لكننا نريد أن نكون معكم على طريق الإصلاح لا على درب الإنكار والتبرير. وإن صمتنا عن الانحدار الأخلاقي والعلمي لن يكون علامة احترام، بل تواطؤ غير معلن، وهذا ما لا نقبله لأنفسنا كما لا نرضاه لمؤسساتنا. 

 

نحن نريد تعليم عالي يرتقي ببلادنا، لا تعليم عالي يتفاخر بالشهادات بينما يخفي الفساد خلف جدرانه.
 

الكلمة الصادقة مهما كانت قاسية، هي أشرف من صمت مجامل يراكم الفشل ويجهز على البقية الباقية من الأمل.