دراسات وأبحاث

الدين والسياسة.. كيف يوظف ترامب الدين في معاركه الانتخابية؟

الإثنين 07 يوليو 2025 - 12:10 ص
ابراهيم ياسر
الأمصار

يُعد دونالد ترامب واحدًا من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي المعاصر وبينما عُرف بتصريحاته الصادمة وسلوكياته المثيرة، فإن جانبًا أقل وضوحًا في شخصيته هو علاقته بالدين. 

فهل ترامب شخص متدين بحق؟ أم أنه يوظف الدين في سياق سياسي محض؟ وهل يمكن وصفه بأنه محافظ دينيًا، أم أنه يركب موجة التدين الأميركي لتحقيق مكاسب انتخابية؟

النشأة والتكوين الديني لترامب

ولد ترامب في أسرة تنتمي إلى الكنيسة المشيخية (Presbyterian Church)، وهي طائفة بروتستانتية تُعرف بتقاليدها المحافظة نسبيًا. وقد التحق منذ صغره بخدمات الكنيسة وحضر عظة القس "نورمان فينسنت بيل"، أحد أبرز رموز "الإنجيل الإيجابي" الذي ركّز على القوة الذاتية والإيمان بالنجاح.

رغم هذا، لم يُعرف ترامب خلال شبابه أو بدايات حياته العامة بأنه شخص ملتزم دينيًا بشكل لافت، بل على العكس، ارتبط اسمه بأسلوب حياة علماني إلى حد بعيد، يطغى عليه الطموح الشخصي وحياة الرفاهية.

التحول مع دخول المعترك السياسي

مع بدء حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2015، بدأ ترامب يُظهر اهتمامًا أكبر بالمجتمع الديني، وخاصة المحافظين الإنجيليين.

 وقدّم نفسه كـ"مدافع عن القيم المسيحية" في وجه ما وصفه بالهجوم الليبرالي على الدين والأسرة.

خلال حملاته الانتخابية، استخدم ترامب رموزًا دينية بشكل لافت: رفع الإنجيل أمام الكنائس، ووصف نفسه بأنه "المسيحي الذي لن يسمح باضطهاد الكنيسة"، ووعد بحماية "حرية العبادة" ورفض محو الرموز الدينية من الفضاء العام.

لكن اللافت أن هذا الخطاب الديني لم يكن دائمًا متناسقًا مع معرفته أو خلفيته الدينية؛ فخلال أحد اللقاءات، حين سُئل عن آية يحبها من الإنجيل، تجنب الإجابة، وقال: "هذا شيء شخصي جدًا". وعند سؤاله عن العهد المفضل لديه (القديم أم الجديد؟)، أجاب بتوتر: "كلاهما رائع".

علاقته بالقيادات الدينية

بنى ترامب تحالفًا متينًا مع شخصيات إنجيلية نافذة، مثل القس "باولا وايت" التي أصبحت لاحقًا مستشارته الروحية في البيت الأبيض. وقد دعمته قيادات دينية مثل فرانكلين غراهام وجيري فالويل الابن، رغم ماضيه المليء بالتناقضات الأخلاقية، ما فتح بابًا واسعًا من الجدل.

هؤلاء رأوا في ترامب "رجلاً اختاره الله"، رغم عدم تطابق سلوكه مع المعايير الدينية المحافظة. كثير منهم علّلوا دعمهم له بأنه "يحارب من أجل المسيحيين"، ويعيّن قضاة محافظين، ويقف ضد الإجهاض، ويدعم إسرائيل.

محافظة انتقائية أم قناع سياسي؟

ترامب لا يُصنف تقليديًا كـ"محافظ ديني" من النمط الذي يلتزم بالممارسات الشعائرية أو يظهر الورع الشخصي. بل هو محافظ بشكل انتقائي، يستخدم الدين كعنصر ثقافي وسياسي، لا كإطار أخلاقي شامل.

في خطاباته، نادرًا ما يتحدث عن الخلاص أو الرحمة أو المغفرة، وهي قيم جوهرية في المسيحية. وبدلاً من ذلك، يميل للحديث عن "القوة" و"النصر" و"حماية القيم من الأعداء"، وهي لغة تتقاطع مع نمط الخطاب القومي أكثر من الديني.

الدين في خدمة الهوية والسياسة

بالنسبة لترامب، يُستخدم الدين كجزء من خطاب الهوية: "أمريكا أولًا"، "نحن أمة مسيحية"، "نرفض محو تراثنا". وهو بذلك يخاطب قاعدة تعتبر الدين جزءًا من هويتها القومية وليس فقط معتقدًا شخصيًا.

قراراته مثل نقل السفارة إلى القدس، وتعيين قضاة محافظين، والوقوف ضد التعليم الجنسي أو حقوق المتحولين جنسيًا، كلها تصب في إرضاء القاعدة الدينية، أكثر من كونها نابعة من قناعة لاهوتية واضحة.

لا يمكن القول إن ترامب متدين بالشكل التقليدي. هو لا يواظب على الكنيسة بانتظام، ولا يُظهر فهمًا عميقًا للكتاب المقدس، ولا يُعرف بتواضع أو تأمل روحي. لكن من ناحية أخرى، استطاع أن يصبح صوتًا مؤثرًا لدى فئة دينية كبيرة، بسبب وعوده وسياساته التي تتماشى مع مصالحهم.

قد نُسمي تدينه "وظيفيًا" أو "ثقافيًا"، وهو ما يجعل شخصيته محيرة: يجمع بين شخصية البزنسمان الصارم، والسياسي الذي يعرف كيف يُرضي القواعد الدينية، دون أن يكون ملتزمًا دينيًا بشكل حقيقي أو صادق في نظر كثيرين.