دراسات وأبحاث

"فيضانات الولايات المتحدة".. كوارث متكررة وتكاليف باهظة

الأحد 06 يوليو 2025 - 03:16 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

تُعدّ الفيضانات من أكثر الكوارث الطبيعية تكرارًا وخطورة في الولايات المتحدة، حيث تُخلّف وراءها خسائر بشرية فادحة وأضرارًا اقتصادية هائلة سنويًا. وتُعزى هذه الكوارث غالبًا إلى أمطار غزيرة، ذوبان الثلوج، أو أعاصير قوية تتسبب في فيضان الأنهار أو غمر المناطق الساحلية.

 ومع تصاعد تأثيرات التغير المناخي، باتت الولايات المتحدة تواجه فيضانات أكثر حدة وتكرارًا، ما يُفاقم التحديات أمام الحكومات المحلية والاتحادية.

خلفية وأسباب الفيضانات

تتنوع أسباب الفيضانات في الولايات المتحدة، وتشمل:

الأعاصير المدارية: مثل إعصاري "كاترينا" و"هارفي"، اللذين تسببا في هطول أمطار استثنائية خلال فترات قصيرة، ما أدى إلى انهيار أنظمة الصرف وحدوث فيضانات مدمرة.

الأمطار الموسمية الغزيرة: خاصة في ولايات الغرب الأوسط والجنوب، حيث تتساقط كميات كبيرة من الأمطار في الربيع والصيف.

ذوبان الثلوج: في المناطق الشمالية والجبال، يُؤدي الذوبان السريع للثلوج في الربيع إلى فيضان الأنهار.

ارتفاع منسوب البحار: وخاصة في السواحل الشرقية والخليجية، حيث تؤدي العواصف إلى ظاهرة "المد العاصفي".

تدهور البنية التحتية: مثل فشل السدود أو ضعف أنظمة تصريف المياه، وهو ما حدث في فيضان "نيو أورلينز" عام 2005.

أبرز الفيضانات في تاريخ الولايات المتحدة

1. فيضان نهر المسيسيبي (1927)

يُعد هذا الفيضان من أكثر الكوارث الطبيعية دمارًا في تاريخ البلاد. غمرت المياه أكثر من 70 ألف كيلومتر مربع في ولايات مثل أركنساس، ميسيسيبي، ولويزيانا، وشرّدت ما يقرب من 600 ألف شخص. وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 250 شخصًا، وبلغت الخسائر الاقتصادية حينها نحو مليار دولار (ما يعادل أكثر من 15 مليارًا اليوم).

2. إعصار كاترينا (2005)

ضرب الإعصار الساحل الجنوبي للولايات المتحدة، وكانت مدينة نيو أورلينز الأكثر تضررًا بسبب انهيار الحواجز المائية، ما تسبب في غرق نحو 80% من المدينة. توفي أكثر من 1800 شخص، وتُقدّر الخسائر الاقتصادية بأكثر من 160 مليار دولار، مما يجعله أحد أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في تاريخ أمريكا.

3. إعصار هارفي (2017)

شهدت ولاية تكساس فيضانات غير مسبوقة عقب إعصار هارفي، حيث تساقطت كميات هائلة من الأمطار، خاصة في مدينة هيوستن

غمرت المياه آلاف المنازل والطرق، وتم إجلاء أكثر من 30 ألف شخص. بلغت الخسائر الاقتصادية أكثر من 125 مليار دولار، وتم تصنيف الحدث ضمن الأعاصير الأكثر تكلفة في البلاد.

4. فيضانات نبراسكا (2019)

تسببت أمطار غزيرة وذوبان ثلوج مفاجئ في فيضانات عارمة غمرت أجزاء واسعة من ولايات نبراسكا، آيوا، وميزوري. دمرت الفيضانات الطرق والسدود والجسور، وخلّفت خسائر قدرت بحوالي 1.5 مليار دولار، مع نفوق آلاف رؤوس الماشية.

5. فيضانات كاليفورنيا (2023-2024)

تعرضت كاليفورنيا لموجات فيضانات متكررة في شتاء 2023-2024، نتيجة سلسلة من "أنهار الغلاف الجوي"، وهي ظواهر جوية تحمل كميات هائلة من الرطوبة من المحيط الهادئ. أدت الفيضانات إلى مقتل عشرات الأشخاص، وتضرر آلاف المنازل، خاصة في مناطق مثل سانتا باربرا وساكرامنتو.

الخسائر الاقتصادية والبشرية

تشير البيانات الفيدرالية إلى أن الولايات المتحدة تنفق سنويًا مليارات الدولارات على تعويض الأضرار الناجمة عن الفيضانات. بحسب "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)"، فقد شهدت البلاد بين عامي 2000 و2023 أكثر من 300 حادث فيضاني، تجاوزت تكلفة الواحد منها مليار دولار.

من حيث الخسائر البشرية، تفيد "وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (FEMA)" أن الفيضانات تتسبب سنويًا في مقتل ما بين 80 إلى 100 شخص، معظمهم بسبب القيادة في طرق مغمورة بالمياه.

تأثيرات تغير المناخ

يرى الخبراء أن التغير المناخي هو أحد العوامل المتزايدة في شدة وتكرار الفيضانات.

 فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تبخر أكبر للمياه وتكثف الغيوم، ما يسبب أمطارًا غزيرة خلال وقت قصير. كما أن ارتفاع منسوب المحيطات يزيد من خطر الفيضانات الساحلية. ومع ذوبان الجليد في القطبين، تُتوقّع فيضانات أشد خلال العقود القادمة.

جهود المواجهة والوقاية

تبذل السلطات الفيدرالية والمحلية جهودًا متواصلة للتقليل من مخاطر الفيضانات، من أبرزها:

تحسين أنظمة الإنذار المبكر عبر الأقمار الصناعية والرادارات.

تحديث خرائط المناطق المعرضة للفيضانات عبر هيئة FEMA، لمساعدة السكان في الاستعداد.

تعزيز البنية التحتية، مثل تقوية السدود والمجاري، وإعادة تصميم المدن لامتصاص مياه الأمطار.

فرض التأمين ضد الفيضانات في المناطق عالية الخطورة.

برامج التوعية المجتمعية لتثقيف المواطنين حول إجراءات السلامة.

ورغم هذه الجهود، لا تزال الحاجة قائمة لتكثيف الاستثمارات في أنظمة التصريف المستدامة، وتحديث البنية التحتية القديمة، خاصة في المدن الكبرى.

تمثل الفيضانات في الولايات المتحدة تحديًا بيئيًا واقتصاديًا مستمرًا، تتعاظم حدته مع تصاعد التغير المناخي. 

وبينما لا يمكن منع الظواهر الطبيعية بالكامل، فإن الاستثمار في البنية التحتية الحديثة، وتوسيع شبكات الإنذار المبكر، وتعزيز الوعي العام، تظل من الأدوات الأساسية لتقليل الخسائر البشرية والمادية. وتبقى التجارب التاريخية دليلاً على أن الإهمال في الاستعداد يمكن أن يؤدي إلى كوارث باهظة الثمن لا تُنسى.