في تطور لافت يعكس عمق التحالف العسكري والسياسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كشفت تقارير إعلامية ومصادر في الكونجرس الأمريكي عن مشروع قرار مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتزويد إسرائيل بأسلحة استراتيجية متقدمة، من بينها القاذفة الشبحية "بي-2" B-2 Spirit، وقنابل خارقة للتحصينات، ضمن حزمة تسليحية قد تغيّر قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط.
الخطوة تأتي في توقيت شديد الحساسية، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، واستمرار الحرب في قطاع غزة، والتهديدات المتزايدة من قبل "محور المقاومة"، وتحديدًا حزب الله في لبنان وإيران، الحليف الاستراتيجي لحركات المقاومة المسلحة. وقد برر مشرعون أمريكيون هذا التوجه بأنه يندرج ضمن استراتيجية دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد "التهديدات الوجودية".
لكن ما يلفت الانتباه هو نوعية الأسلحة المطروحة للتسليم، والتي تتجاوز الطابع الدفاعي، وتُصنّف ضمن الترسانة الاستراتيجية ذات القدرة الهجومية العالية، خصوصًا أن قاذفات "بي-2" مصممة لتنفيذ ضربات طويلة المدى، وتستطيع حمل قنابل نووية وتقليدية، وتخترق أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تطورًا.
القاذفة B-2 هي إحدى أندر وأغلى الأسلحة في الترسانة الجوية الأمريكية، وهي طائرة شبحية لا يرصدها الرادار بسهولة، وتبلغ كلفة الواحدة منها أكثر من ملياري دولار. ما يميزها أنها قادرة على الطيران آلاف الكيلومترات دون توقف، وتنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف محصنة تحت الأرض، ما يجعلها مثالية في حال قررت إسرائيل ضرب منشآت نووية أو عسكرية في إيران.
وإذا تمت الموافقة على الصفقة، ستكون هذه أول مرة تُسلَّم فيها هذه القاذفات لدولة أجنبية، ما يعكس تحولًا نوعيًا في العلاقة الدفاعية بين واشنطن وتل أبيب.
من الطبيعي أن تثير هذه الخطوة قلقًا إقليميًا ودوليًا، إذ إن تسليم إسرائيل هذا النوع من القاذفات، إلى جانب قنابل خارقة للتحصينات مثل "GBU-57"، يعطيها القدرة على ضرب أهداف استراتيجية عميقة، مثل المنشآت النووية الإيرانية في "نطنز" و"فوردو"، والتي تقع تحت طبقات سميكة من الصخور والأرض.
الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن ومصر، تتابع بقلق هذه التحركات، خشية أن تؤدي إلى إشعال سباق تسلّح جديد، أو أن تُترجم ميدانيًا في صورة تصعيد عسكري قد يخرج عن السيطرة.
أما إيران، فقد اعتبرت هذه الخطوة "استفزازًا خطيرًا"، وهددت بأنها سترد على أي هجوم "برد مزلزل"، فيما دعا مسؤولون روس وصينيون إلى "ضبط النفس" واعتبروا تسليح إسرائيل بقاذفات استراتيجية "خطوة غير مسؤولة" تزيد من زعزعة الاستقرار.
في الداخل الأمريكي، لم تمر هذه الخطة دون إثارة جدل، إذ عبّرت أصوات في الحزب الديمقراطي، وخاصة من الجناح التقدمي، عن رفضها لهذا النوع من الدعم العسكري غير المشروط. وأشارت نائبات مثل إلهان عمر وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز إلى أن مثل هذه القرارات تؤجج الصراع ولا تدفع نحو الحل السياسي.
في المقابل، يرى الجمهوريون أن دعم إسرائيل "حليف ديمقراطي" هو التزام أخلاقي واستراتيجي، خاصة في ظل ما وصفوه بـ"التهديد الإيراني المستمر"، و"تصاعد المدّ الإسلامي المتطرف.
رغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن وجود دعم من الحزبين في الكونجرس يرفع من فرص تمريره. كما أن الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس جو بايدن، لم تعلن موقفًا صريحًا من تسليم قاذفات B-2 تحديدًا، لكنها كررت أكثر من مرة التزامها بـ"تفوق إسرائيل العسكري النوعي".
وقد تستخدم الإدارة هذه الورقة كورقة ضغط على طهران في أي مفاوضات نووية مقبلة، أو كوسيلة لإرضاء اليمين الإسرائيلي، لا سيما بعد تصاعد الانتقادات ضد البيت الأبيض بسبب الضغوط التي مارسها لوقف إطلاق النار في غزة.
خطط تسليح إسرائيل بأسلحة استراتيجية مثل قاذفات B-2 تفتح فصلًا جديدًا في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ليس فقط على مستوى التسليح، بل في ميزان الردع الإقليمي. لكنها في الوقت نفسه تزيد من تعقيد المشهد الأمني في الشرق الأوسط، وتضع الجميع أمام سؤال صعب: هل هذه خطوة للردع أم تمهيد لصراع أكبر؟