في خضم الصراع اليمني المستعر منذ سنوات، برزت العديد من الشخصيات القبلية التي وقفت ضد تمدد الحوثيين ومحاولاتهم للسيطرة على الأراضي والقبائل بالقوة.
ومن بين هذه الشخصيات، كان الشيخ صالح حنتوس، أحد أبرز مشايخ قبيلة مراد بمحافظة مأرب، الذي رفض الانصياع لإملاءات جماعة الحوثي المسلحة، ودفع ثمن موقفه باغتيال غادر هزّ المجتمع اليمني.
الشيخ صالح حنتوس هو أحد شيوخ قبائل مراد اليمنية، والتي تُعد من القبائل الكبيرة ذات النفوذ في محافظة مأرب وسط اليمن. عرف بمواقفه الوطنية الرافضة لوجود الحوثيين، وبدوره الكبير في التصدي لمحاولات الجماعة للسيطرة على المناطق القبلية في مأرب.
حنتوس كان يُعرف أيضًا بمواقفه القوية ضد مشروع التمدد الطائفي، ورفضه القاطع لأي وجود مسلح يهدد أمن واستقرار القبيلة.
منذ بداية الحرب اليمنية، سعت جماعة الحوثي إلى بسط نفوذها في كافة المناطق اليمنية، خاصة ذات الثقل القبلي والموارد الطبيعية مثل مأرب.
وقد واجهت مقاومة شديدة من القبائل، وعلى رأسها قبائل مراد وعبيدة، ما جعلها تلجأ لسياسات الترهيب والاغتيال.
تعد محافظة مأرب اليوم من أهم المحافظات اليمنية استراتيجيًا، نظرًا لما تحتويه من موارد نفطية، ولقربها من العاصمة صنعاء، ولهذا تسعى جماعة الحوثي للسيطرة عليها بشكل كامل.
كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات يوم (الثلاثاء) جريمة جديدة ارتكبها الحوثيون في محافظة ريمة، مؤكدة أن عناصر حوثية بقيادة منتحل صفة محافظ ريمة فارس الحباري والمتحوث فارس روبع اقتحم منزل أحد معلمي القرآن الكريم في قرية البيضاء بمديرية السلفية صالح حنتوس بعد محاصرته وأعدمته داخل منزله وأصيبت زوجته بجروح خطيرة.
وعبرت الشبكة عن إدانتها واستنكارها بأشد العبارات للجريمة البشعة التي ارتكبها الحوثيون بحق حنتوس الذي يعد أحد أبرز معلمي القرآن الكريم في ريمة اليوم (الثلاثاء)، مشيرة إلى أن الحوثي سيطر على حملة لمهاجمة منزل الضحية وإطلاق النار بشكل عشوائي عليه مستخدمين قذائف آر بي جي، ما تسبب في خلق حالة من الخوف والهلع بين النساء والأطفال في المنطقة.
وأشارت الشبكة إلى أن الهجوم المسلح على منزل صالح حنتوس أسفر عن مقتله وإصابة زوجته بجراح خطيرة، وتم منع أبناء المنطقة من نقل الجريحة إلى المستشفى لتلقي العلاج، لافتة إلى أن هذه الجريمة تأتي ضمن انتهاكات متصاعدة بحق المدنيين من قتل وتهجير وتفجير للمنازل، واعتدت على القرى والعزل في مختلف المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، امتداداً لمسلسل القتل المتجذر الذي يمارس الحوثي منذ الانقلاب، ضمن محاولاتها كسر إرادة اليمنيين وإخضاعهم لمشروعها الانقلابي وأفكارها المتطرفة.
وطالبت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثه الخاص ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة صريحة لهذه الجرائم النكراء، داعية المجتمع الدولي بتحرك جاد لحماية المدنيين ودور العبادة والمؤسسات التعليمية من الاستهدافات الحوثية الممنهجة.
وأكدت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أن هذه الجريمة الوحشية تجسد الوجه الحقيقي لجماعة الحوثي التي دأبت على ارتكاب جرائم التصفية والقتل خارج نطاق القانون بحق الأبرياء، في تحدٍ سافر لكل القوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.
أثار اغتيال الشيخ صالح حنتوس موجة من التنديد والغضب، سواء من مشايخ القبائل الأخرى، أو من الناشطين السياسيين والحقوقيين:
قبائل مراد نعت شيخها الراحل، وتعهدت بالرد على هذا "العدوان".
الشرعية اليمنية أصدرت بيانًا قالت فيه إن "ما جرى لحنتوس يكشف الوجه الحقيقي للحوثيين".
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد انتشرت عشرات الوسوم المطالبة بـ"القصاص" للشيخ، وبتوثيق جرائم الحوثيين بحق شيوخ القبائل.
عملية اغتيال حنتوس تحمل رسالة تهديد صريحة لكل من يفكر في معارضة الجماعة، خاصة من رموز القبائل التي تمثل عقبة أمام مشروعها.
تشير أيضًا إلى أن الحوثيين لم يعودوا يتحملون حتى أصوات المعارضة السلمية، وأن "منطق الغلبة والقوة" هو وسيلتهم الوحيدة لفرض السيطرة.
قبائل مأرب، وخاصة قبيلة مراد، أعلنت أنها في حالة "نفير عام"، وأكدت في بيانات متفرقة أنها لن تسكت على الجريمة. كما تواردت أنباء عن اجتماعات طارئة عقدها مشايخ مأرب، تنذر باندلاع مواجهات عنيفة في حال لم تُقدِم جماعة الحوثي على الاعتذار والاعتراف بالجريمة.
رحل الشيخ صالح حنتوس جسدًا، لكن صدى اغتياله لا يزال يتردد في أوساط اليمنيين، خاصة من يدفعون يوميًا ثمن معارضتهم للمليشيات. إنها جريمة تؤكد مرة أخرى أن طريق الحوثيين للسلطة مفروش بالدماء، وأن التحدي الحقيقي أمام اليمنيين هو الحفاظ على ما تبقى من صوت وطني شجاع، مثل صوت حنتوس، الذي لم يرضخ حتى لحظة استشهاده