دراسات وأبحاث

"الضفة تحت الاحتلال" استيطان بلا رادع وصمت دولي

الخميس 03 يوليو 2025 - 12:19 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

وسط تصاعد غير مسبوق في وتيرة الاستيطان الإسرائيلي، تقف الضفة الغربية اليوم في مواجهة شرسة تُهدد ليس فقط أرضها، بل أيضًا وجود وهوية الشعب الفلسطيني فيها. 

منذ تبني قرار 2334، عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية يرتفع  بنسبة 12% | أخبار الأمم المتحدة

فالتهويد لم يعد مجرّد سياسة استيطانية تقضم الجغرافيا، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة تسعى لتفكيك النسيج الوطني الفلسطيني ومحو معالمه الثقافية والديمغرافية.

تصاعد الاستيطان: خريطة تتغير بالقوة

شهدت السنوات الأخيرة تسارعًا غير مسبوق في عمليات البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وخاصة في مناطق (ج)، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة وتخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية. 

تشير التقارير الحقوقية إلى أن إسرائيل وافقت على بناء أكثر من 12 ألف وحدة استيطانية في عام واحد فقط، وهو أعلى رقم منذ بداية الاحتلال عام 1967.

تهدف هذه السياسات إلى خلق واقع جغرافي جديد يعزل القرى والمدن الفلسطينية عن بعضها، ويمنع قيام دولة فلسطينية متصلة الأركان. وتُعد مشاريع مثل "E1" و"القدس الكبرى" تجسيدًا خطيرًا لهذا المخطط، حيث تسعى إسرائيل إلى ربط المستوطنات المحيطة بالقدس الشرقية وقطع الطريق أمام أي تواصل جغرافي فلسطيني.

القدس قلب المعركة

لا تقتصر معركة التهويد على الجغرافيا، بل تمتد إلى الهوية والثقافة، خاصة في مدينة القدس. فالاحتلال يعمل على تغيير الطابع الديمغرافي للمدينة عبر سحب الهويات من سكانها الفلسطينيين، وهدم منازلهم تحت ذرائع قانونية واهية، في مقابل منح تسهيلات واسعة للمستوطنين.

تُقدّر منظمات حقوقية مثل "بتسيلم" و"الحق" أن أكثر من 200 منزل فلسطيني في القدس مهدد بالهدم، فيما تُصادر الأراضي لبناء مشاريع "تلمودية" ومراكز يهودية تهدف لإضفاء طابع ديني يهودي على المدينة. كذلك، تُفرض قيود مشددة على المؤسسات التعليمية والثقافية الفلسطينية، في محاولة لمحو الرواية التاريخية العربية للقدس.

شبكة راية الإعلامية | الاحتلال يقتحم ديوانية بالعيساوية ويمنع فعالية لمدارس  القدس

معركة الإرادة

ورغم محاولات القضم والتفتيت، إلا أن الضفة الغربية لا تزال تشهد مقاومة شعبية متصاعدة، خصوصًا في القرى التي تواجه مصادرة الأراضي مثل بيتا، وكفر قدوم، ومسافر يطا. هذه التحركات، وإن كانت سلمية في معظمها، تواجه بعنف مفرط من الجيش الإسرائيلي، مما أسفر عن سقوط مئات الشهداء والجرحى خلال السنوات الماضية.

الشباب الفلسطيني، الذي وُلد في ظل الاحتلال، بات أكثر وعيًا بخطورة المعركة على الهوية، ويُظهر إصرارًا على الدفاع عن الأرض والحق. ومن خلال وسائل الإعلام الجديدة، تمكن من إيصال صوته للعالم، متحديًا الرواية الإسرائيلية المهيمنة.

الاحتلال الاسرائيلى يعتقل 60 فلسطينيا من الضفة الغربية - اليوم السابع

القانون الدولي.. صمت متواطئ

رغم وضوح خروقات إسرائيل للقانون الدولي، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تُحرّم نقل السكان إلى الأراضي المحتلة، فإن المجتمع الدولي يكتفي غالبًا ببيانات "القلق" دون اتخاذ إجراءات عملية. وحتى قرارات مجلس الأمن مثل القرار 2334 الذي يُدين الاستيطان، تبقى حبرًا على ورق في ظل الحماية الأمريكية لإسرائيل.

هذا التواطؤ الضمني شجّع الحكومة الإسرائيلية، التي تُعد الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، على المضي قدمًا في سياساتها، دون أي خوف من المحاسبة.

إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال في الضفة الغربية - داما بوست

الهوية تحت الحصار: التعليم والإعلام هدفًا

إلى جانب الأرض، تُستهدف الهوية الفلسطينية عبر ضرب منظومة التعليم الفلسطيني في الضفة الغربية، وخاصة في القدس.

 حيث تُفرض المناهج الإسرائيلية على المدارس، وتُمنع بعض الكتب من التداول، كما تُغلق المدارس والمعاهد الثقافية تحت ذرائع أمنية.

الإعلام الفلسطيني أيضًا يتعرض لحصار مزدوج: من الاحتلال عبر الإغلاق والملاحقة، ومن خوارزميات مواقع التواصل التي تُقيّد وصول المحتوى الفلسطيني بدعوى "التحريض".

العدوان على جنين: انتصار الحاضنة الشعبية وهزيمة النظام العربي

 صراع لن يُحسم بسهولة

الضفة الغربية ليست مجرد ساحة جغرافية، بل ميدان لصراع عميق على الهوية والحق والتاريخ. والتهويد، بكل أشكاله، هو مشروع استعماري هدفه النهائي إلغاء الوجود الفلسطيني وتكريس السيطرة الإسرائيلية.

لكن كما أظهرت الانتفاضات السابقة، فإن الشعب الفلسطيني، رغم الانقسام السياسي والظروف القاسية، لا يزال يحتفظ بإرادة الصمود والمقاومة، مدفوعًا بحقه التاريخي في الأرض والهوية.