دراسات وأبحاث

أزمات الاقتصاد الليبي مستمرة.. الأسباب والحلول

الأربعاء 02 يوليو 2025 - 03:03 م
إسلام محمد
الاقتصاد الليبي
الاقتصاد الليبي

تمر ليبيا بواحدة من أصعب المراحل في تاريخها الحديث، حيث تتقاطع الأزمة السياسية الحادة مع انهيار اقتصادي متسارع، في ظل تفكك مؤسسات الدولة، وغياب الإرادة السياسية الجادة للحل، وتفاقم التدخلات الخارجية.

وجعل ذلك المواطن الليبي يدفع الثمن مضاعفًا على شكل ارتفاع جنوني في أسعار الدولار، وغلاء فاحش في أسعار السلع، وانعدام شبه كامل للسيولة في المصارف.

وبات المواطن الليبي يواجه يوميًا معاناة مزدوجة، فمن جهة لا يستطيع سحب راتبه من المصرف بسبب شح السيولة، ومن جهة أخرى أصبح الراتب نفسه لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات المعيشية بسبب التضخم وارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق الموازي، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار السلع الغذائية والأدوية والوقود والخدمات الأساسية.

جذور الأزمة الاقتصادية في ليبيا

أفرز انقسام المؤسسات السيادية منذ سنوات والانقسام السياسي الحاد، حكومتين ومصرفين مركزيين، وميزانيتين وقرارات مزدوجة، ما أدى إلى شلل في السياسات الاقتصادية وعدم فاعلية أدوات الرقابة، وعجز المصرف المركزي عن أداء دوره في السيطرة على سوق العملة.

وتُقدّر تقارير محلية ودولية حجم الفساد في ليبيا بمليارات الدولارات سنويًا، تُهدر في الصفقات الوهمية، والتحويلات المشبوهة، والرواتب الوهمية، وغياب الحوكمة، مما أضعف الاقتصاد الوطني وأفقد الدولة ثقة مواطنيها.

ولم تنجح ليبيا منذ عقود في بناء اقتصاد متنوع. فبمجرد أن تهتز صادرات النفط بسبب الاضطرابات الأمنية أو الصراعات على المنشآت النفطية، تدخل الدولة في حالة شلل تام، ويتوقف صرف المرتبات، وتتعطل المصارف، ويقفز سعر الدولار فورًا.

ونتيجة لانعدام الأمن، وتخبط السياسات، وغياب القضاء المستقل، لا يستطيع القطاع الخاص العمل بحرية، ولا تجد الشركات الوطنية أو الأجنبية بيئة مشجعة على الاستثمار، ما جعل السوق الليبي يعتمد بالكامل على الواردات، وبالتالي يتأثر بسعر الدولار.

الأسباب السياسية المتسببة في تفاقم الأزمة

استمرار المراوحة في المكان، والاعتماد على حلول ترقيعية لا تنهي حالة الانقسام، وتبني مبادرات شكلية لا تحظى بالإجماع، جعل البلاد تعيش في فراغ دستوري وشرعي.

وتتحكم الأطراف المتنازعة في موارد الدولة النفطية والمصرفية، وتستخدمها كأداة للابتزاز السياسي، ما جعل القرار الاقتصادي رهينة للصراع السياسي وليس لأهداف التنمية والاستقرار.

ويتكئ كل طرف سياسي على حليف خارجي، ويستورد أجنداته الاقتصادية والأمنية من الخارج، ما يزيد من تعقيد المشهد، ويدفع بالاقتصاد نحو مزيد من الارتهان والتبعية.

الحلول العلمية الممكنة للخروج من الأزمة

لا يمكن بناء اقتصاد سليم في ظل مصرف مركزى عاجز وحكومتين. يجب أن يكون الحل الأول هو التوحيد الفعلي للمصرف المركزي تحت إشراف دولي محايد ومهني، ووضع سياسة نقدية موحدة.

وينبغي البدء في إصلاح شامل للدعم، وربط سعر الصرف بالسوق الواقعي، وتشجيع استخدام أدوات الدفع الإلكتروني للتخفيف من أزمة السيولة، مع مراقبة صارمة لآليات بيع النقد الأجنبي.

ويرى البعض ضرورة إنشاء هيئة وطنية عليا لمحاربة الفساد تتبع القضاء مباشرة وتتمتع بالصلاحيات الكاملة لكشف الجرائم المالية واسترداد الأموال المنهوبة، شرط أن تكون محايدة وغير خاضعة للسلطات التنفيذية.

ويعد دعم القطاع الخاص، وتسهيل دخول المستثمرين المحليين والأجانب، وتوفير بيئة آمنة وقانونية للاستثمار في الزراعة والصناعة والخدمات، كفيل بتقليل الضغط على العملة الصعبة.

ومن خلال الشفافية، وتمكين المجالس المحلية، وتوزيع عادل للثروات، وبناء قاعدة بيانات حقيقية للمستفيدين من الدعم، وتطهير مؤسسات الدولة من المحسوبية والولاءات الضيقة.

ولا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة. يجب العودة إلى الشعب الليبي في استفتاء عام يحدد شكل الدولة ونظامها، ويمهد الطريق لانتخابات عامة في ظل قاعدة دستورية توافقية.