في مشهد يعجّ بالتناقضات والمفاجآت، تلوح بوادر انفتاح دبلوماسي نادر بين سوريا وإسرائيل، لكن خلف الكواليس تدور معركة حقيقية، معركة على الأرض، وعلى الذاكرة، وعلى المفهوم نفسه للسلام.
وبينما تطرح الولايات المتحدة، مبادرة غير تقليدية تقوم على "السلام مقابل الترتيبات الأمنية"، يبقى الجولان – تلك الهضبة الصامتة – هو الصوت الأعلى في رفض الواقع وتحدي المصالحة.
قرار أميركي مفاجئ برفع العقوبات عن سوريا، وتصريحات متبادلة بين العدوين التاريخيين، وملف مشتعل لا يمكن عزله عن الصراعات الإقليمية الكبرى، فهل نحن أمام بداية مسار تفاوضي جديد؟ أم أن ما يجري ليس أكثر من جولة جديدة من المناورات السياسية؟
الولايات المتحدة، بحسب مصادر مطلعة، مستعدة لتسهيل اتفاق أمني بين الطرفين، بشرط تقدم ملموس في ملفات ثلاث: تطبيع تدريجي، كبح الجماعات المتشددة، وضبط الفصائل الفلسطينية، ومع ذلك، أكدت واشنطن أنها لن تتدخل مباشرة في مسألة الجولان، تاركة الأمر للطرفين.
في المقابل، جاء الموقف الإسرائيلي حاسماً، برفض تام للتفاوض حول الجولان، الذي تعتبره "جزءاً لا يتجزأ من أراضيها"، كما عبّر وزير خارجيتها وأكده المحاضر الإسرائيلي موشيه إلعاد، الذي وصف الانسحاب من الجولان بـ"الحلم السوري".
أما دمشق، فترفض أي تسوية لا تشمل انسحاباً كاملاً من الجولان، وتشير مصادر قريبة من القيادة السورية إلى أن أي اتفاق مستقبلي مرهون باستعادة الأراضي المحتلة.
الباحث السياسي عباس شريفة، تطرق خلال تصريحات مع صحيفة سورية، إلى تلك المسألة، مؤكدًا أن الجولان "ملك للشعب السوري" ولا تملك أي سلطة سياسية صلاحية التنازل عنه، متّهماً إسرائيل بالسعي لفرض سلام بلا استحقاقات مستغلة حالة عدم الاستقرار.
وعلى الأرض، نفذ جيش الاحتلال مئات العمليات العسكرية داخل سوريا، مستغلًا الفوضى الأمنية في الجنوب لفرض "منطقة عازلة" بحجة حماية أمنها القومي، وهو ما يعتبره الباحث السياسي، استراتيجية للتهرب من التزامات السلام الحقيقي.
الجولان يبقى العائق الأكبر، إذ تصر سوريا على أنه أرض محتلة استناداً لقرار مجلس الأمن 497، فيما ترفض إسرائيل أي نقاش بشأنه، وبينما تُفضل دمشق الحديث عن اتفاقات أمنية تشمل وقف القصف وتفعيل المراقبة الدولية، تطرح إسرائيل نموذجاً مشابهاً لاتفاقيات إبراهيم، يتضمن تنسيقاً أمنياً واقتصادياً، لكن دون انسحاب أو تطبيع كامل.
واشنطن، من جانبها، تدرك تعقيد الملف، وتسعى لتثبيت وقف إطلاق النار ومنع التصعيد، معتبرة أن اتفاقاً مؤقتاً قد يكون أكثر واقعية من محاولة فرض تسوية شاملة، بينما يقترح "شريفة" تجزئة الملفات وتأجيل القضايا الكبرى كحل عملي، مؤكداً أن سوريا لم تخرق اتفاقاتها الأمنية سابقاً، ما يفتح المجال لتفاهمات مرحلية إذا التزمت إسرائيل.
في المحصلة، يبقى السلام بين سوريا وإسرائيل مرهوناً بإرادة سياسية صلبة، ووسط تشابك المصالح والملفات، تبدو التسوية النهائية مؤجلة حتى إشعار آخر، رغم فتح باب التفاوض من جديد.